للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلَهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٥٨] وَالْحُكْمُ إِذَا تَعَقَّبَ الْوَصْفَ بِحَرْفِ الْفَاءِ، عُلِمَ أَنَّهُ عِلَّةٌ، فَيَكُونُ كَوْنُهُمَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ مُوجِبًا لِرَفْعِ الْحَرَجِ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْغِيبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٥٨] الْآيَةَ. نَعَمْ هَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا يُتَوَهَّمُ حَظْرُهُ كَقَوْلِهِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١] وَقَوْلِهِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] وَقَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} [المائدة: ٩٣] الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمُحَرِّمَ لِلْمَيْتَةِ مَوْجُودٌ حَالَ الِاضْطِرَارِ، وَالْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ مَوْجُودٌ حَالَ السَّفَرِ، كَذَلِكَ هُنَا كَانَتْ هَاتَانِ الشَّعِيرَتَانِ، قَدِ انْعَقَدَ لَهُمَا سَبَبٌ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ، خِيفَ أَنْ يُحَرَّمَ التَّطَوُّفُ بِهِمَا لِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الطَّوَافَ بِهِمَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ «عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: " أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨])، فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ: لَا جُنَاحَ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>