للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ - لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ٩٩ - ١٠٠]؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَاتَ عَاصِيًا عَلَى كَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، بَلْ تُخُوِّفَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، كَمَا يُذْكَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَوْرِ، فَلَوْ كَانَ الْحَجُّ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ - بَعْدَ مَوْتِهِ - وَيُجْزِؤُهُ كَمَا يُجْزِؤُهُ لَوْ فَعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ لَكَانَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إِلَى آخِرِ حَيَاتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَأْخِيرَهُ. وَالَّذِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ وَغَيْرَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ ابْتِلَاءٌ لِلْعَبْدِ وَامْتِحَانٌ لَهُ، وَأَمْرٌ لَهُ بِأَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَنْ يَقْصِدَ الْعِبَادَةَ وَيَفْعَلَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأْمُرَ مَنْ يَفْعَلُهَا. وَبِالْمَوْتِ قَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَوْ حَجَّ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ دَيْنِ الْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ، وَيَصِحُّ بِدُونِ إِذْنِهِ، لَوْ أَدَّاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَازَ وَلَوِ اقْتَضَاهُ الْغَرِيمُ مِنْ مَالِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ الْأَحَادِيثُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ يَحُجُّوا، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ الْحَجُّ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَمْلِكُوا زَادًا وَرَاحِلَةً، أَوْ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ لَكِنْ لَهُمْ ثَوَابُ وَأَجْرُ مَا يُفْعَلُ عَنْهُمْ لَا أَنَّ الْوَاجِبَ نَفْسَهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطِ الْوَاجِبُ: لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ.

قُلْنَا: لَا رَيْبَ أَنَّهُ يَمُوتُ عَاصِيًا مُعَرَّضًا لِلْوَعِيدِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنْهُ، وَعَدَمَ صِحَّتِهِ، وَوُجُوبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ كَمَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَامِدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>