للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ أَخْبَرَتْهَا «أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - يَقُولُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيُ فَاسْعَوْا» ".

وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَرَ بِهِ كَمَا أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فِي قَرْنٍ وَاحِدٍ، وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا ثَبَتَ وَجُوبُهَ: تَعَيَّنَ فِعْلُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ نُسُكٌ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، يُفْعَلُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَانَ رُكْنًا كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ فِي النُّسُكَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّتِهِ.

وَاخْتِصَاصُهُ بِمَكَانٍ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَصْدِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَقَدْ قِيلَ: نُسُكٌ يَتَكَرَّرُ فِي النُّسُكَيْنِ، فَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ الدَّمُ كَالطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا، لَكِنْ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَكُنْ رُكْنًا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَفَاتَ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ، وَالْحَاجُّ إِذَا أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَالسَّعْيُ لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ عَلَى قِسْمَيْنِ ; مُؤَقَّتٌ وَغَيْرُ مُؤَقَّتٍ، فَالْمُؤَقَّتُ إِمَّا أَنْ يَفُوتَ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ، أَوْ يُجْبَرَ بِدَمٍ، لِكَوْنِ وَقْتِهِ إِذَا مَضَى لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُهُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُؤَقَّتِ: إِذَا كَانَ وَاجِبًا فَلَا مَعْنَى لِنِيَابَةِ الدَّمِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ: لَيْسَا بِمُؤَقَّتَيْنِ فِي الِانْتِهَاءِ فَإِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَفُوتُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ، وَبِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>