فَاتَهُ الْحَجُّ لِلْعُمْرَةِ أَمْ يُجْزِئُهُ الْإِهْلَالُ الْأَوَّلُ؟ فَقَالَ: يُجْزِئُهُ الْإِهْلَالُ الْأَوَّلُ.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى - عَنْهُ - رِوَايَةً ثَانِيَةً: أَنَّهُ يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ، قَالَ: وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِغَيْرِ إِحْصَارٍ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَدَمُ الْفَوَاتِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَ هَدْيًا نَحَرَهُ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ دَمِ الْفَوَاتِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ، وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْفَوَاتِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ - فِي الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ: يَفْرَغُ مِنْ عَمَلِهِ يَعْنِي عَمَلَ الْحَجِّ، وَفَسَّرَ الْقَاضِي هَذَا الْكَلَامَ بِأَنَّهُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ الَّذِي يَفْعَلُهُ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا بِالْحَجِّ كَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ - كَمَا سَيَأْتِي -.
وَمَنْ فَسَّرَهُ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ، فَفَوَاتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يُسْقِطُ مَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ مِنَ الْمَنَاسِكِ، كَمَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَقَدَرَ عَلَى بَعْضٍ، أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ قَدِ انْتُقِضَ وَفَسَدَ، فَأَشْبَهَ مَنْ أَفْسَدَهُ بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ.
وَالصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] الْآيَةَ، فَأَمَرَهُمْ بِالذِّكْرِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَمَنْ لَمْ يُفِضْ مِنْ عَرَفَاتٍ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ.
وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ بِعَدَمِهِ، فَإِذَا عُلِّقَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ اقْتُضِيَ عَدَمُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute