وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْحَجَّ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنًا، وَأَمَرَ الْوَارِثَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْهُ كَمَا يُفْعَلُ الدَّيْنُ، وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فَكَذَلِكَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ.
وَلِأَنَّ الْحَجَّةَ الَّتِي يُنْشِئُهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ، وَأَتَمُّ مِنَ الَّتِي يُنْشِئُهَا مِنْ دُونِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إِتْمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ)، يَعْنِي أَنْ تُنْشِئَ لَهَا سَفَرًا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، فَإِذَا مَاتَ فَقَدِ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى صِفَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَفْعَلَهَا بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ؛ وَلِأَنَّهَا مَسَافَةٌ وَجَبَ قَطْعُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَوَجَبَ قَطْعُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، كَالْمَسَافَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْحَجِّ كَافِيًا لَأَجْزَأَ الْحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ تَامَّةٌ.
وَلِأَنَّ قَطْعَ الْمَسَافَةِ فِي الْحَجِّ أَمْرٌ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ ذَلِكَ جِهَادًا، فَقَالَ: («الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ»). وَقَالَ لِلنِّسَاءِ: («عَلَيْكُنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ؛ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ»). وَلِهَذَا كَانَ رُكْنُ الْوُجُوبِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ: هُوَ الْمَالُ فَيَجِبُ الْحَجُّ بِوُجُودِهِ، وَيَنْتَفِي الْوُجُوبُ بِعَدَمِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَالَ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَوَاقِيتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ رَاحِلَةٌ، وَلَا مِلْكُ زَادٍ أَيْضًا، وَلِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute