للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّعْمَةِ فَإِذَا لَمْ يَحُجَّ الرَّجُلُ لَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ وَدِينُهُ كَامِلًا بَلْ يَكُونُ نَاقِصًا، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ دِينَهُ نَاقِصًا، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخِلَّ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا.

وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ مُتَقَدِّمًا، وَأَخَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَعَنْهُ أَجْوِبَةٌ: -

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْحَجَّ، وَكَتَبَهُ وَمَكَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ مُؤَخِّرِينَ لَهُ مِنْ غَيْرِ عَائِقٍ أَصْلًا خَمْسَ سِنِينَ، وَلَا سَنَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْقَوْمَ - رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ - كَانُوا مُسَارِعِينَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، يُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ طَلَبَ الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ لِعِلْمِهِمْ بِمَا فِي الْمُسَابَقَةِ مِنَ الْأَجْرِ، فَكَيْفَ يُؤَخِّرُونَ الْحَجَّ بَعْدَ وُجُوبِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَصْلًا.

وَتَأْخِيرُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، أَوْ هُوَ خِلَافُ الْأَحْسَنِ وَالْأَفْضَلِ، وَتَأَخُّرٌ عَنْ مَقَامَاتِ السَّبْقِ وَدَرَجَاتِ الْمُقَرَّبِينَ فَكَيْفَ تُطْبِقُ الْأُمَّةُ مَعَ نَبِيِّهَا عَلَى تَرْكِ الْأَحْسَنِ وَالْأَفْضَلِ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَصْلًا.

وَأَيْضًا فَقَدْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَوَاتِ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَمْ يَحُجُّوا، أَفَتَرَى أُولَئِكَ لَقُوا اللَّهَ عَاصِينَ بِتَرْكِ أَحَدِ مَبَانِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُنَبِّهْهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَلَا قَالَ لَهُمُ: احْذَرُوا تَفْوِيتَهُ، مَعَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا؟ وَقَدْ عُلِمَ بِغَيْرِ رَيْبٍ أَنَّ قَبْلَ الْفَتْحِ لَمْ يَحُجَّ مُسْلِمٌ، وَبَعْدَ الْفَتْحِ إِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>