للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا: " «أَيُّهَا الْمُلَبِّي عَنْ فُلَانٍ لَبِّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ عَنْ فُلَانٍ» "، فَعُلِمَ أَنَّ الْحَجَّةَ عَنْ نَفْسِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ بَاطِلًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ " «هَذِهِ عَنْكَ، وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» " وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الْحَجَّةِ فَقَوْلُهُ: " «اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ» " أَيِ اعْتَقِدْهَا عَنْ نَفْسِكَ، وَقَوْلُهُ: " «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ» " أَيِ اسْتَدِمِ الْحَجَّ عَنْ نَفْسِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ قَدْ وَقَعَ بَاطِلًا لَأَمَرَ بِاسْتِئْنَافِهِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَجَّةٌ، وَلَا تَلْبِيَةٌ صَحِيحَةٌ تُجْعَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَوِ انْعَقَدَ عَنِ الْغَيْرِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْوَاقِعَ لِشَخْصٍ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ لَبَّى عَنْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى أَبِيهِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْإِحْرَامَ يَنْعَقِدُ مَعَ الصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ، وَيَنْعَقِدُ مُطْلَقًا، وَمَجْهُولًا، وَمُعَلَّقًا، فَجَازَ أَنْ يَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ إِحْرَامَهُ عَنِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَبُطْلَانُ صِفَةِ الْإِحْرَامِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا لَازِمًا فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَدْ عَقَدَهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ عَقَدَهُ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَرَدُّدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>