النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرَخِّصْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ، وَلَا الْخُفِّ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ بَعْدَ عَرَفَاتٍ، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: " «فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ» " بَيَانٌ لِمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْخُفِّ الْمَمْنُوعِ، وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلِ الْمُبَاحِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ لُبْسِهِمَا مَقْطُوعَيْنِ وَصَحِيحَيْنِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَ لِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إِنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي لُبْسِ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ لِلْعَادِمِ، فَبَقِيَ الْمَقْطُوعُ كَالسَّرَاوِيلِ الْمَفْتُوقِ يَجُوزُ لُبْسُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا نَهَى الْمُحْرِمَ عَنِ الْخُفِّ كَمَا رَخَّصَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ. وَالْمَقْطُوعُ وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْجُمْجُمِ، وَالْحِذَاءِ وَنَحْوُهُمَا: لَيْسَ بِخُفٍّ وَلَا فِي مَعْنَى الْخُفِّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ كَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَسْحِ، لَا سِيَّمَا وَنَهْيُهُ عَنِ الْخُفِّ إِذْنٌ فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ «سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ، فَقَالَ: "لَا يَلْبَسُ كَذَا» " فَحَصَرَ الْمُحْرِمَ. فَمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَهُوَ مُبَاحٌ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَلْحَقَ بِالْخُفِّ، أَوْ بِالنَّعْلِ وَهُوَ بِالنَّعْلِ أَشْبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالنَّعْلِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَدَمَ عُضْوٌ يَحْتَاجُ إِلَى لُبْسٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَاحَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا يُشْبِهُهُ مِنَ الْجُمْجُمِ وَالْمَدَاسِ وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْيَدِ، فَإِنَّهَا لَا تُسْتَرُ بِالْقُفَّازِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - " «وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» " وَفِي لَفْظٍ صَحِيحٍ: " «إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ يَقْطَعُهُ مِنْ عِنْدِ الْكَعْبَيْنِ» " وَفِي رِوَايَةٍ: " إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ مُضْطَرٌّ فَيَقْطَعَهَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ". وَفِي رِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ: " «وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» " فَلَمْ يُرَخِّصْ فِي لُبْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute