وَأَمَّا آيَةُ الْمُحَارِبِينَ: فَلَمْ يُذْكَرُوا فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ وَالطَّلَبِ، بَلْ هِيَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْجَزَاءِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ، ثُمَّ قَدْ عُلِمَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ وَاجِبَةٌ عَلَى ذِي السُّلْطَانِ؛ وَلِهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ مُجَرَّدِ هَذَا الْكَلَامِ: إِيجَابُ أَحَدِ هَذِهِ الْخِصَالِ، كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الْكَفَّارَاتِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتْ فِي مَعْرِضِ الِاقْتِضَاءِ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَثَّلَ بِالْعُرَنِيِّينَ نَهَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُثْلَةِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ جَزَاؤُهُمْ إِلَّا وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ فَلَا يُنْقَصُوا عَنْهَا؛ لِأَجْلِ جُرْمِهِمْ، وَلَا يُزَادُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا تَكُونُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ. وَلَوْ قِيلَ إِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهَا كَانَ لِلتَّخْيِيرِ لَكِنَّ فِي سِيَاقِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِلتَّخْيِيرِ فَإِنَّ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ بِأَهْلِ الْجَرَائِمِ لَا يَكُونُ الْوَالِي مُخَيَّرًا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ، وَإِرَادَةٍ بَيْنَ تَخْفِيفِهَا وَتَثْقِيلِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ تَعْذِيبِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ مِنَ الْعَذَابِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ، وَمِثْلُ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ. فَعُلِمَ أَنَّ مُقْتَضَاهَا الْعُقُوبَةُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا عِنْدَمَا يَقْتَضِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: تِلْكَ الْآيَاتُ بَدَأَ فِيهَا بِالْأَخَفِّ بِخِلَافِ آيَةِ الْجَزَاءِ. فَنَقُولُ: إِنَّمَا بَدَأَ فِي آيَةِ الصَّيْدِ: بِالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْإِطْعَامِ وَقَدْرَ الصِّيَامِ مُرَتَّبٌ عَلَى قَدْرِ الْجَزَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute