للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى الْأَشَجُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] " قَالَ: "إِنْ شَاءَ صَامَهَا فِي الطَّرِيقِ فَعَلَ فَإِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ "، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] لَمَّا انْعَقَدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَتَمَّ، كَانَ التَّأْخِيرُ إِلَى حَالِ الْإِقَامَةِ رُخْصَةً، وَكَذَلِكَ: صَوْمُ السَّبْعَةِ إِنَّمَا سَبَبُهُ الْمُتْعَةُ وَهِيَ قَدْ تَمَّتْ بِمَكَّةَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَاجُّ مُسَافِرًا، وَالصَّوْمُ يَشُقُّ: جَوَّزَ لَهُ الشَّرْعُ التَّأْخِيرَ إِلَى أَنْ يَقْدُمَ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَجِيجَ إِذَا صَدَرُوا مِنْ مِنًى: فَقَدْ شَرَعُوا فِي الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِمْ، فَإِنَّ عَرَفَاتٍ وَمِنًى: هِيَ مُنْتَهَى سَفَرِهِمْ، فَالْمُصْدَرُ عَنْهَا قُفُولٌ مِنْ سَفَرِهِمْ وَرُجُوعٌ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، وَمُقَامُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، أَوِ الْمَدِينَةِ، أَوْ غَيْرِهِمَا، كَمَا يَعْرِضُ لِسَائِرِ الْمُسَافِرِينَ مِنَ الْمُقَامِ. وَالْأَفْعَالُ الْمُمْتَدَّةُ مِثْلُ الْحَجِّ وَالرُّجُوعِ وَنَحْوِهِ: يَقَعُ الِاسْمُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِ بِهِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَنَاوَلُ الِاسْمَ عَلَى التَّمَامِ إِلَّا إِذَا قَضَاهُ.

يُبَيِّنُ هَذَا: أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَلَا بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، فَلَوْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ بِالطَّرِيقِ، أَوْ بِمَكَّةَ: لَكَانَ مَنْعًا لِلصَّوْمِ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْهُودٍ مِنَ الشَّرْعِ وَلَا مَعْنًى تَحْتَهُ.

وَأَيْضًا: فَعِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ قَدْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ بِمَكَّةَ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ - إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَصُمِ السَّبْعَةَ أَيَّامٍ يُطْعَمُ عَنْهُ بِمَكَّةَ مَوْضِعَ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ: فَلَهُ الْبِدَارُ إِلَى فِعْلِهِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>