بِالتَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِي الْخَطَأِ مِنْ وُجُوهٍ؛ - أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَالنَّاسِي وَالْمُخْطِئُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمَضْمُونَ هُوَ الْقَتْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ.
الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥].
فَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ فَيَبْقَى الْمُخْطِئُ بَرِيءَ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ الشَّيْءَ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ خَصَّ الْمُتَعَمِّدَ بِإِيجَابِ الْجَزَاءِ بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَتْلِ الَّذِي يَعُمُّ الْمُتَعَمِّدَ وَغَيْرَهُ، وَمَتَى ذُكِرَتِ الصِّفَةُ الْخَاصَّةُ بَعْدَ الِاسْمِ الْعَامِّ: كَانَ تَخْصِيصُهَا بِالذِّكْرِ دَلِيلًا قَوِيًّا عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِالْحُكْمِ، أَبْلَغَ مِنْ لَوْ ذُكِرَتِ الصِّفَةُ مُبْتَدَأَةً. إِذْ لَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْحُكْمِ: كَانَ ذِكْرُ الْمُتَعَمِّدِ زِيَادَةً فِي اللَّفْظِ، وَنَقْصًا فِي الْمَعْنَى. وَمِثْلُ هَذَا يُعَدُّ عِيًّا فِي الْخِطَابِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ لَا يَكَادُ يُنْكِرُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ بِمَعْرِفَةِ الْخِطَابِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَمْدِ مُنَاسِبٌ كَانَ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ عِلَّةَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لِأَجْلِ التَّعَمُّدِ، فَإِذَا زَالَ التَّعَمُّدُ: زَالَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ وَالْمُخْطِئُ لَيْسَ عَلَيْهِ وَبَالٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِيجَابِ الْجَزَاءِ.
وَأَيْضًا: فَضَمَانُ الصَّيْدِ لَيْسَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ. وَمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute