للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأُمَم بَعْدَها، والأمْر كَذلك، فإنما يُقَال لها: ماذا عَرَّفْنَاك أنه كَائن مِنهم بَعْدَك؟ وظَاهِر خَبَر الله تعالى ذِكْرُه عَنْ مَسْألَته إياهم يَدُلّ على غير ذلك (١).

وفي تفسير سورة الحديد نَقَل عن آخرين قولهم: الشهداء عند ربهم في هذا الموضع النبِيّون الذين يَشهدون على أُمَمِهم، من قول الله عز وجل: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) (٢).

وأشَار السمرقندي إلى مَعْنَى آيَة "النساء" بِقوله: يَعْنِي: فَكَيف يَصْنَعُون؟ وكَيف يَكُون حَالُهم؟ (إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) يَعْنِي: بِنَبِيِّها هُو شَهِيدُها، شَاهِد بِتَبْلِيغ الرِّسَالة مِنْ رَبِّهم (وَجِئْنَا بِكَ) يا مُحمد (عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) يَعْنِي عَلى أُمَّتك شَهِيدًا بالتَّصْدِيق لهم، لأنَّ أُمَّتَه يَشْهَدُون على الأُمَم الْمُكَذِّبة للرِّسَالة (٣).

واقْتَصَر في آيَة "النحل" على بَيَان مَعْنَى قَوله: (شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي: رَسُولًا مِنْ الآدَمِيِّين. (وَجِئْنَا بِكَ) يَا محمد. (شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) أي: على أُمَّتِك (٤).


(١) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٩/ ١٠٩ - ١١٢) وقول ابن جُريج محتمل لما سبق أن أورده القرطبي من بُكائه صلى الله عليه وسلم وإشفاقه من السؤال، وقوله: أي رب شهدت على من أنا بين ظهريه، فكيف بمن لم أرَ؟ ويشهد لهذا المعنى ما ختمت به الآية: (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ). ويشهد له أيضًا سؤال رب العزة سبحانه لعيسى ابن مريم، وقول عيسى عليه الصلاة والسلام: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [المائدة: ١١٧]. واستشهاد النبي صلى الله عليه وسلم بقول العبد الصالح - يعني عيسى - كما سيأتي في الحديث المخرّج في الصحيحين.
(٢) المرجع السابق (٢٢/ ٤١٥).
(٣) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٣٣٠).
(٤) المرجع السابق (٢/ ٢٨٧).

<<  <   >  >>