للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذَكَر اخْتِلاف أهْل التَّأويل في تَأويل ذلك؛ فَقَال بَعْضهم: مَعْنَى قَولهم: (لا عِلْمَ لَنَا) لم يَكن ذَلك مِنْ الرُّسُل إنْكَارًا أن يَكُونُوا كَانُوا عَالِمِين بِمَا عَمِلَتْ أُمَمهم، ولَكِنهم ذُهِلُوا عن الْجَواب مِنْ هَول ذلك اليَوم، ثم أجَابُوا بَعد أن ثَابَتْ إليهم عُقُولهم بِالشَّهَادَة على أُمَمهم.

وقال آخَرُون: مَعنى ذَلك: لا عِلْمَ لَنا إلَّا مَا عَلَّمْتَنا.

وقال آخَرُون: مَعْنَى ذَلك: (قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا) إلَّا عِلْم أنت أعْلَم بِه مِنّا.

وقال آخرون: مَعْنَى ذَلك: (مَاذَا أُجِبْتُمْ) مَاذا عَمِلُوا بَعْدَكم؟ ومَاذا أَحْدَثُوا؟ وهذا القَول رواه عن ابن جُريج.

وأوْلى الأقْوال بالصَّواب - عند ابن جرير - قَول مَنْ قال: مَعْنَاه لا عِلْم لَنا إلَّا عِلْم أنت أعْلَم به مِنّا، لأنه تَعالى ذِكْرُه أخْبَر عنهم أنّهم قَالوا: (لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي: إنك لا يَخْفَى عَليك مَا عِنْدَنا مِنْ عِلْم ذَلك ولا غَيره، مِنْ خَفِيّ العُلُوم وجَلِيِّها، فإنّما نَفَى القَوم أن يَكُون لَهم بِمَا سُئلُوا عنه مِنْ ذلك عِلْم لا يَعْلَمُه هو تَعالى ذِكْرُه، لا أنّهم نَفَوا أن يَكُونوا عَلِمُوا مَا شَاهَدُوا. كَيف يَجُوز أن يَكُون ذَلك كَذلك وهو تَعالى ذِكْرُه يُخْبِر عنهم أنهم يُخْبِرُون بِمَا أجَابَتْهُم بِه الأُمَم، وأنّهم يَسْتَشْهِدُون على تَبْلِيغِهم الرِّسَالة شُهَدَاء، فَقال تعالى ذِكْرُه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: ١٤٣].

ثم أجاب عن قول ابن جُريج، فَقَال: وأما الذي قاله ابن جريج مِنْ أنَّ مَعْنَاه: مَاذا عَمِلَتْ الأُمَم بَعْدَكم؟ ومَاذا أحْدَثُوا؟ فَتأويل لا مَعْنَى لَه، لأنَّ الأنْبِيَاء لم يَكُنْ عِنْدها مِنْ العِلْم بِمَا يَحْدُث بَعْدَها إلَّا مَا أعْلَمَها الله مِنْ ذلك، وإذا سُئلتْ عَمَّا عَمِلَتْ

<<  <   >  >>