الحمد لله الذي بِنِعْمَتِه تَتِمّ الصَّالِحَات، وقد أوْشَك هذا البحث على الانتهاء، وفيه تَمّ سَبْر أغْوَار تفسير القرطبي الْمُسَمَّى "الجامع لأحكام القرآن"، وفي جانِب مِنْ جَوانِبه؛ ألَا وهو دَفْع تَوهّم التعارُض، وقد بَرَز هذا الجانب واضِحًا جَليًّا لدى الإمام القرطبي، حيث كان له بِه عناية بالِغة.
وقد بَرَزَتْ تِلك العناية في طيّات هذا البحث مِنْ خِلال ما يلي:
أولًا: النَّسْخ. فهو يُناقش ما يتعلّق بالنسخ ويُفصِّل فيه، ويستعين به على دَفع ما يُتوهّم تَعَارُضه، و"النَّسخ إنّمَا يَكُون عِند عَدَم الْجَمْع"(١).
ثانيًا: القول بالخصوص والعموم. فيُحمَل العام على الخاص، مع مُراعاة عُموم النصوص، إلّا أن القرطبي يُرجِّح بين الأقوال بِعموم قول وخصوص قول.
ثالثًا: القول بالتقديم والتأخير، وهو أحد طُرُق دفع التعارض، وقد أعْمَل القرطبي هذا الفَنّ من أفانين اللغة في دفْع توهّم التعارض.
رابعًا: اختلاف المناسبة. وذلك أن النصّ القرآني قد يَكون سِيق في سُورة أو في مَوْضِع سياقًا يختلف معناه باختلاف مناسبته، ويَدفع به القرطبي توهّم التعارض.
كما اسْتَعان القرطبي في دَفْع تَوهّم التعارُض بـ:
إيراد الأحاديث المرفوعة للجمع بين الآيات، ولِدفع توهّم التعارض.
كما دَفَع توهّم التعارض من خلال إيراد أقوال السلف في الجمع بين الآيات.
واحْتَكَم القرطبي إلى اللغة العربية وقواعدها لِدفع التعارض المتوهّم.
وقد أفاد القرطبي ممن سَبَقُوه في هذا المضمار، وأفَاد مِنه مَنْ أتَى بَعده، وهذا دَالّ على تَقدّمه في هذا الميدان، إذ كان يُعنَى بالكشف عن معنى الآية، مُضِيفًا إليه عناية بالغة في دَفْع توهّم التعارُض.