وأرْشَدَهم إلى أنه يَقْبَل تَوبَة عِبَادِه مِنْ أيّ ذَنْب كَان، حتى ولو كَان مِنْ كُفْر، أوْ شِرْك، أوْ نِفَاق، أوْ شِقَاق" (١).
المثال الثالث:
الْمُجَازَاة على السَّيئات:
قَوله تَعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: ٣١]، وقَوله تَعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: ١١٤]، مَع قَوله تَعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [النساء: ١٢٣].
[صورة التعارض]
الآيَة الأُولى تُفِيد تَكْفِير الصَّغَائر بِاجْتِنَاب الكَبَائر، وآيَة "هود" تُفِيد ذَهَاب السَّيِّئَات بِالْحَسَنَات، بَيْنَمَا يُفهَم مِنْ الآية "الثالثة" أنَّ الإنْسَان يُجْزَى بِمَا عَمِل مِنْ سُوء.
[جمع القرطبي]
قال القرطبي:
لَمّا نَهَى تَعالى في هَذه السُّورَة عَنْ آثَام هي كَبَائر، وَعَدَ عَلى اجْتِنَابِها التَّخْفِيف مِنْ الصَّغَائر، ودَلّ هَذا عَلى أنَّ في الذُّنُوب كَبَائر وصَغَائر. وعلى هذا جَمَاعَة أهْل التَّأويل وجَمَاعَة الفُقَهَاء، وأنَّ اللمْسَة والنَّظْرَة تُكَفِّر بِاجْتِنَاب قَطْعًا بِوعْدِه الصِّدْق وقولِه الحقّ، لا أنه يَجِب عَليه ذَلك. ونَظِير الكَلام في هَذا مَا تَقَدَّم بَيَانه في قَبُول التَّوبَة في قَوله تَعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) [النساء: ١٧]، فَالله تَعالى يَغْفِر الصَّغَائر بِاجْتِنَاب الكَبَائر، لَكن بضَمِيمَة أُخْرَى إلى الاجْتِنَاب وهي إقَامَة الفَرَائض.
(١) قاله ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٦/ ٣٩٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute