للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقِيل: مِنْ البَسْط والتَّقْتِير.

(لِمَنْ نُرِيدُ) فيه قَولان:

أحَدهما: لِمَنْ نُريد هَلَكَته، قاله أبو إسحاق الفزاري.

والثَّاني: لِمَنْ نُرِيد أن نُعَجِّل له شَيئًا، وفي هذا ذَمّ لِمَنْ أرَاد بِعَمَلِه الدُّنيا، وبَيَان أنه لا يَنَال مَع مَا يَقْصِده مِنها إلَّا مَا قُدِّرَ لَه، ثم يُدْخَل النَّار في الآخِرَة.

وقال ابن جرير: هَذه الآيَة لِمَنْ لا يُوقِن بِالْمَعَاد" (١).

فابْنُ الجوزي يُورِد الأقْوال - كَعَادَتِه - مِنْ غَير تَرْجِيح في الغَالِب.

[رأي الباحث]

أنَّ مَا جَاء في الآيَات مُطْلَقًا بِالْجَزَاء لِكُلّ مَنْ أرَاد الدُّنيا قَيَّدَته الآيَات الأُخَر بِالْمَشِيئَة الإلَهِيَّة لِمَنْ أرَاد الله مُجَازَاته على ذلك في الدُّنيا.

وهَذه طَريقَة القُرْآن، إذ يُفَصَّل في مَوْضِع ما أُجْمِل في مَوْضِع، ويُقَيَّد في مَوْضِع مَا أُطْلِق في آخَر، ويُخَصَّص في مَوْضِع مَا كَان عَامًّا في مَوْضِع آخَر، وهَذا كَثِير في القرآن ونَظير مَا في هَذه الآيَات مَا جَاء في عِتْق الرَّقَبَة في الكَفَّارَات، قُيِّدَت بِالإيمان في مَواضِع، وأُطْلِقَتْ في مَوَاضِع أُخْرَى (٢).

والْكَافِر يُجَازَى في الدُّنيا، ولَيْس لَه في الآخِرَة مِنْ نَصِيب.

ومِن صُوَر مُجَازَاة الكُفَّار في الدُّنيا:

١ - سَعَة الرِّزْق، و"لَيس ضِيق الرِّزق هَوَانا، ولا سَعَة الرِّزق فَضِيلَة" (٣).

٢ - كَثْرَة الْمَال والْوَلَد، وقَد قَال الله تَعالى عن الكَافِر: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا) [المدثر: ١١ - ١٤].


(١) زاد المسير، مرجع سابق (٥/ ٢٠).
(٢) انظر أنواع البيان التي تضمّنها القرآن في مقدمة "أضواء البيان" (١/ ٨ - ٢٩).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٦/ ٢٧).

<<  <   >  >>