للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأشَار ابن كثير إلى الاخْتِلاف في قِرَاءة (أَمَرْنَا) في آيَة "الإسراء"، ثم ذَكَر الْخِلاف أيضًا في مَعْنَاها، ونَقَل عن ابن جرير مَا قَالَه، وتَعَقَّب قَوله: "وقد يَحْتَمِل أن يَكُون مَعْنَاه: جَعَلْنَاهم أمَرَاء" (١). بِقَولِه: إنَّمَا يَجِيء هَذا على قِرَاءة مَنْ قَرأ (أمَّرْنا مُتْرَفِيها) (٢).

فابْنُ كَثير اكْتَفَى بِبَيَان الْمَعْنَى بِاخْتِصَار، دُون الإشَارَة إلى مَا يُتَوهَّم تَعَارُضه في الآيَة مِنْ حَيث الأمْر بالفِسْق في قَوله تَعالى: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا).

[رأي الباحث]

مِمَّا قَرَّرَه الأئمَة: أنَّ الله لا يَأمُر بِالفَحْشَاء، اسْتِدْلالًا بِقَوله تَعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)، وهَذا مَحَلّ اتِّفَاق حَتى عِند غَير أهل الإسلام، فقد قَال هِرَقْل في سُؤَاله لأبي سُفيان عن أحْوال النبي صلى الله عليه وسلم: مَاذا يَأمُرُكُم؟ قلت: يَقُول: اعْبُدُوا الله وحْدَه ولا تُشْرِكُوا بِه شَيئًا، واتْرُكُوا مَا يَقُول آبَاؤكم، ويَأمُرُنا بِالصَّلاة والصِّدْق والعَفَاف والصِّلَة (٣).

ويَتّفِق العُقَلاء أيضًا على أنَّ دِين الإسْلام لَم يأتِ بشيء يُخَالِف العَقْل، فَقَد أمَر الإسْلام بِكُلّ فَضِيلَة، ونَهَى عن كُلّ رَذِيلَة.


(١) ابن جرير أورد احتمال هذا القول على قراءة من قرأ بالتخفيف لقول العرب: أمير غير مأمور.
وقد بين القرطبي معنى هذا القول فيما سبق نقله عنه، وقال الراغب في "المفردات" (ص ٣٥): وقيل: أمر القوم: كثروا، وذلك لأن القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بد لهم من سانس يسوسهم، ولذلك قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.
(٢) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٨/ ٤٦٢).
(٣) رواه البخاري ومسلم، وسبق تخريجه.

<<  <   >  >>