للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بَيّن القرطبي أنَّ "هَذه الآي تَدُلّ على أنَّ الْجِنّ كَالإنْس في الأمْر والنَّهْي والثَّوَاب والعِقَاب، وقال الحسن: ليس لِمُؤمِني الْجِنّ ثَوَاب غير نَجَاتِهم مِنْ النَّار، يَدُلّ عَليه قَوله تَعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).

وقال آخَرُون: إنّهم كَمَا يُعَاقَبُون في الإسَاءة يُجَازَون في الإحْسَان مِثْل الإنْس ....

قال الضحاك: الْجِنّ يَدْخُلُون الْجَنَّة، ويَأكُلُون ويَشْرَبُون. قال القشيري: والصَّحِيح أنَّ هَذا مِمَّا لَم يُقْطَع فيه بِشَيء، والعِلْم عند الله.

قلت: قَوله تَعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) يَدُلّ على أنّهم يُثَابُون ويَدْخُلُون الْجَنَّة؛ لأنّه قَال في أوَّل الآيَة: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي) إلى أنْ قَال (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)، والله أعْلَم" (١).

وقال في تَفْسِير سُورة "الرحمن" ما نَصّه: هذه السورة و"الأحقاف" و"قل أُوحِي" دَلِيل على أنَّ الْجِنّ مُخَاطَبُون مُكَلَّفُون، مَأمُورُون مَنْهِيُّون، مُثَابُون مُعَاقَبُون، كالإنْس سَواء؛ مُؤمِنُهم كَمُؤمِنهم، وكَافِرُهم كَكَافِرِهم، لا فَرْق بَيْنَنَا وبَيْنَهم في شَيء مِنْ ذَلك (٢).

وأطَال في تفسير سُورة الْجِنّ في بَيَان هَذا الْمَعْنَى (٣).

مُلخَّص جواب القرطبي:

١ - الرُّسُل مِنْ الإنْس، وغَلَّب الإنْس في الْخِطَاب كَمَا يُغَلَّب الْمُذَكَّر على الْمُؤنَّث.

٢ - الرُّسُل مِنْ الإنْس، والنُّذُر مِنْ الْجِنّ، واخْتَار هَذا القَوْل ورَجَّحَه.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٦/ ١٨٥، ١٨٦) باختصار.
(٢) المرجع السابق (١٧/ ١٤٧).
(٣) انظر: المرجع السابق (١٩/ ١٨ وما بعدها).

<<  <   >  >>