للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فـ:

المثال الأول:

إرْسَال رُسُل مِنْ الْجِنّ:

قَوله تَعالى: (يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ) [الأنعام: ١٣٠]، مَع قَوله تَعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف: ٢٩ - ٣١].

[صورة التعارض]

آية "الأنعام" يُفهَم مِنْها أنَّ مِنْ الْجِنّ رُسُلًا كَمَا كَان مِنْ الإنْس، وهو مُقْتَضَى مُقَابَلَة الْجَمْع بالْجَمْع؛ فإنَّ النَّتِيجَة تَكُون آحَادًا، كَقَولِهم: رَكِب القَوم دَوَابَّهم، فإنَّ النَّتِيجَة تَقْتَضِي أنّ كُلّ وَاحِد رَكِب دَابَّته، فَكَأنه قال: يَا مَعْشَر الْجِنّ ألَم يَأتِكُم رُسُل مِنْكُم؟ ويَا مَعْشَر الإنْس ألَم يَأتِكُم رُسُلٌ مِنْكُم؟

بَيْنَمَا يُفهَم مِنْ آيَات "الأحقاف" أنَّ الْجِنّ تَبَع للإنْس في الرِّسَالات، وأنَّهم خُوطِبُوا بِرِسَالة محمد صلى الله عليه وسلم كَمَا خُوطِبُوا بِرِسَالة مُوسَى عليه الصَّلاة والسَّلام.

[جمع القرطبي]

قال القرطبي:

قَوله تَعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ) أي: يَوْم نَحْشُرُهم نَقُول لَهم: ألَم يَأتِكُم رُسُل … فَيَعْتَرِفُون بِمَا فِيه افْتِضَاحُهم، ومَعْنَى (مِنْكُمْ) في الْخَلْق والتَّكْلِيف والْمُخَاطَبَة، ولَمَّا كَانت الْجِنّ مِمَّنْ يُخَاطَب ويَعْقِل قال: (مِنْكُمْ)، وإن كَانت الرُّسُل مِنْ الإنْس، وغَلَّب الإنْس في الْخِطَاب كَمَا يُغَلَّب الْمُذَكَّر على الْمُؤنَّث. وقال ابن عباس: رُسُل

<<  <   >  >>