للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي آيَة "المائدة" بَيَّن ابن الجوزي مَعْنَى "الفَتْرَة"، ثم ذَكَر في مُدَّة الفَتْرة بَيْن عيسى ومحمد عليهما السَّلام أرْبَعَة أقْوَال (١).

[رأي الباحث]

ليس بَيْن الآيَات تَعَارُض، فإنَّ سُنَّة الله أنه لا يُعَذِّب أحَدًا حَتى يُعْذِر إليه، وذلك بِإرْسَال الرُّسُل وإنْزَال الكُتُب، وتَتَابُع النُّذُر.

وأمَّا إثْبَات الفَتْرَة بين عيسى ومحمد - عليهما الصلاة والسلام -، وإثْبَات تَعْذِيب بَعض مَنْ مَات في الْجَاهِلِيَّة، فَلَيس بَيْنَهُمَا تَعَارُض أيضًا؛ لأنَّ تَعْذِيب مَنْ جَاء الْخَبَر بِتَعْذِيبِه إنَّما كَان بعد قِيَام الْحُجَّة عليه، وبُلُوغ الْحَقّ وإعْرَاضِه عنه.

وكَوْن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِث في قَومٍ لَم يَأتِهم نَذِير مِنْ قَبْلِه، فَهَذا فِيمَا يَتَعَلَّق بِقُرَيش خَاصَّة، فَإنَّهم لَم يَسْبِق فِيهم رَسُول قَبْله صلى الله عليه وسلم، ومَع ذلك لا يَمنَع مِنْ إقَامَة الْحُجَّة عَليم قَبْل بِعْثَته صلى الله عليه وسلم، ويَدُلّ على هَذا أنه كان قَبل مَبْعَثِه صلى الله عليه وسلم بَقَايَا مِنْ أهْل الكِتَاب، كَمَا كان بعض أهل الجاهلية على الفِطْرَة، فلا يَشْرَبُون الْخَمْر، ولا يَأكُلُون الْمَيْتَة، ولا مَا ذُبِح على النُّصُب، كَما كان مِنْ شَأن زَيد بن عمرو بن نُفيل (٢).

قال النووي في فقْه حَديث أنَس "إنَّ أَبي وأبَاك في النَّار": وفيه أنَّ مَنْ مَات في الفَتْرَة على مَا كَانت عليه العَرَب مِنْ عِبَادَة الأوْثَان فهو مِنْ أهْل النَّار، ولَيس هذا مُؤَاخَذة قَبْل بُلُوغ الدَّعْوَة، فإنَّ هَؤلاء كَانَتْ قد بَلَغَتهم دَعْوَة إبراهيم وغَيره مِنْ الأنبياء صَلوات الله تعالى وسلامه عليهم (٣).


(١) المرجع السابق (٢/ ٣١٩، ٣٢٠).
(٢) ينظر خبره في صحيح البخاري (ح ٣٦١٤، ٣٦١٥)، و"الإصابة" (٢/ ٦١٣).
(٣) المنهاج، مرجع سابق (٣/ ٧٩).

<<  <   >  >>