للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الباحث]

أجْمَع مَنْ جَمَع بَيْن الآيَات - فِيمَا رَأيْتُ - هو القرطبي، فقد أتَى على جَمِيع الأقْوَال.

وخُلاصَة القَوْل في الآيَات أنَّ الشَّيْطَان لَيس لَه سُلْطَان ولا قُدْرَة على الْمُؤمِنِين، وإنّمَا يَتَسَلَّط على مَنْ اتَّبَعه، واقْتَفَى أثَرَه، فَالشَّيْطَان (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: ٦]، "فَعَدَم الإيمان هو الْمُوجِب لِعَقْد الوِلايَة بَيْن الإنْسَان والشَّيْطَان" (١) وبِضَاعَة الشَّيْطَان هي "التَّزْيِين"، كَمَا قَال تَعالى: (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل: ٦٣] فَـ "سَمَّاه وَلِيًّا لهم لِطَاعَتِهم إياه" (٢).

وإذا ألْقَى الشَّيْطَان أتْبَاعَه في النَّار تَخَلَّى عَنهم وخَذَلَهم، كَمَا تَخلّى عنهم في الدُّنيا ونَكَص على عَقِبَيه، فإنَّ الشَّيْطَان يَقُول لأتْبَاعِه "حِين حَصْحَص الْحَقّ: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) [إبراهيم: ٢٢] " (٣).

كَمَا أنَّ الْمُؤمِن في كَلاءَة وحِفْظ، فَمَنْ جَعَل للشَّيْطَان عَليه سَبِيلًا فَقَد فَرَّط! فهو الْمَلُوم، ولِذا يَقول عَدُوّ الله يَوْمَ القِيَامَة (فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ).

فالشَّيْطَان "لَيْس لَه سُلْطَان على الذين آمَنُوا، فَاسْتَعَاذُوا بِالله مِنه بِمَا نَدَب الله تعالى ذِكْرُه مِنْ الاسْتِعَاذَة، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون عَلى مَا عَرَض لَهُمْ مِنْ خَطَرَاتِه ووسَاوسِه" (٤).


(١) تيسير الكريم الرحمن، مرجع سابق (ص ٢٨٦).
(٢) تفسير القرآن، مرجع سابق (٣/ ١٨٣).
(٣) جامع البيان، مرجع سابق (١٤/ ٦٦٦).
(٤) المرجع السابق (١٤/ ٣٦٠).

<<  <   >  >>