للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَمْع القرطبي:

قَوله تَعالى: (لِلْمُتَّقِينَ) خَصّ الله تَعَالى الْمُتَّقِين بِهِدَايَته، وإنْ كَان هُدى للخَلْق أجْمَعِين تَشْرِيفًا لَهُم؛ لأنهم آمَنُوا وصَدَّقُوا بِمَا فِيه. ورُوي عن أبي رَوق أنه قَال: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) أي: كَرَامَة لَهُمْ. يَعني أنما أضَاف إلَيهم أجْلالًا لَهُم، وكَرَامَة لَهُم، وبَيَانًا لِفَضْلِهم (١).

مُلخَّص جواب القرطبي:

القُرْآن هُدًى للخَلْق أجْمَعِين، وخَصَّ الله الْمُتَّقِين بِالْهِدَاية تَكْرِيمًا لَهُمْ.

مُقارنة جوابه وجَمْعه بين الآيات بجَمْع غيره من العلماء:

رَوى ابنُ جرير - بإسْنَادِه - إلى مُرة الهمداني عن ابن مسعود وعَن نَاسٍ مِنْ أصْحَاب النبي صلى الله عليه وسلم (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) يقول: نُور للمُتَّقِين.

ثم قال ابن جرير: والْهُدَى في هذا الْمُوضِع مَصْدَر مِنْ قَولك: هَدَيت فُلانا الطريق، إذا أرْشَدته إليه، ودَلَلته عليه، وبَيَّنْتَه له؛ أهْديه هُدى وهِداية.

فَإن قَال لَنا قَائل: أوَ مَا كِتَاب الله نُورًا إلَّا للمُتَّقِين، ولا رَشَادا إلَّا للمُؤمِنِين؟ قِيل: ذَلك كَمَا وَصَفه رَبُّنَا عَزَّ وَجَلّ، ولَو كَان نُورًا لِغَيْر الْمُتَّقِين ورَشَادًا لِغَيْر الْمُؤمِنِين لم يَخْصُص الله عَزَّ وَجَلّ الْمُتَّقِين بأنه لَهُمْ هُدى، بل كَان يَعُمُّ بِه جَمِيعِ الْمُنْذَرِين، ولَكِنَّه هُدى للمُتَّقِين، وشِفَاء لِمَا في صُدُور الْمُؤمِنِين، وَوَقْرٌ في آذَان الْمُكَذِّبين، وعَمًى لأبْصَار الْجَاحِدين، وحُجّة لله بَالِغَة على الكَافِرِين، فالمؤمِن به مُهْتَد، والكَافِر بِه مَحْجُوج (٢).


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ٢٠٦).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (١/ ٢٣٤).

<<  <   >  >>