للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا ابن كَثير فإنه يَرَى "اخْتِصَاص الْمُؤْمِنين بالنَّفْع بالقُرْآن، لأنه هُو في نَفْسِه هُدى، ولَكِن لا يَنَاله إلَّا الأبْرَار" (١).

ثم نَقَل الأقْوَال في مَعْنَى (هُدًى)، ثم ذَكَر اخْتِيَارَه في الآيَة، فَقَال: واخْتِيَار ابن جرير أنَّ الآيَة تَعُمّ ذَلك كُلّه، وهُو كَمَا قَال (٢).

ونَقَل القاسمي عن ابن الْمُنيِّر قَوله: الْهُدى يُطْلَق في القُرْآن عَلى مَعْنَيين:

أحَدُهما: الإرْشَاد وإيضَاح سَبِيل الْحَقّ، ومِنه قَوله تَعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) [فصلت: ١٧]، وعَلى هَذا يَكُون الْهُدَى للضَّال باعْتِبَار أنه رشد إلى الْحَقّ سَواء حَصَل لَه الاهْتدَاء أوْ لا.

والآخَر: خَلْق الله تَعالى الاهْتِدَاء في قَلْب العَبْد (٣)، ومِنْه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: ٩٠]، فإذا ثَبَت وُرُوده عَلى الْمَعْنَيَين فهو في هَذه الآيَة يُحْتَمَل أن يُرَاد به الْمَعْنَيَان جَميعًا. وعَلى الأوَّل فَتَخْصِيص الْهُدَى بالْمُتَّقِين للتَّنْويه بِمَدْحِهم حَتى يَتَبَيَّن أنهم هُمْ الذِين اهْتَدَوا وانْتَفَعُوا به (٤).

[رأي الباحث]

أن الْهُدَى الْمُثْبَت للمُتَّقين مُختَلف عَنْ كَوْن القُرآن هُدى لجَميع النَّاس.

"وَوَجْه الْجَمْع بينهما أنَّ الْهُدى يُسْتَعْمَل في القُرْآن اسْتِعْمَالَين:

أحَدُهما: عَامّ، والثَّاني: خَاصّ.


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ٢٦٠).
(٢) المرجع السابق (١/ ٢٦١).
(٣) في اعتقاد الإمام الْمُبجَّل أحمد بن حنبل (١/ ٣٠٢) أنه "أمْسَك عن القَول في خَلْق الإيمان". وسيأتي بَسْطه.
(٤) محاسن التأويل، مرجع سابق (١/ ٢٧٠) وأصْل القَول في حاشية الكشاف (ص ٣٦).

<<  <   >  >>