للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الباحث]

لا خلَاف - يُذْكَر - أنَّ خَلْق الأرض قَبْل خَلْق السَّمَاوات، إلَّا أنَّ الأغْلَب في الْخِطَاب القُرآني تَقْدِيم ذِكْر السَّمَاوات على ذِكْر الأرْض، لِعِظَم السَّمَاوات ومَا فِيها، ولِكَونها أعْلى مِنْ الأرْض، وهَذا جَارٍ على عَادَة وأسْلُوب العَرَب في تَقْدِيم الأهَمّ.

ولِلْجَمْع بين الآيات يُقال:

إن دَحْو الأرْض كَان بَعْد خَلْق السَّمَاوات، وخَلْق الأرْض كَان في أربعة أيام؛ يَومَين قَبْل خَلْق السَّمَاوات، ويَومين بَعْد خَلْق السَّمَاوات، وهُمَا مَا يَتَعَلَّق بِبَسْط الأرْض ودَحْوِها.

وأمَّا قَوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: ٢٩]، فهذا ذِكْرٌ على سَبِيل الإجْمَال، لا عَلى سَبِيل التَّفْصِيل، ومَا في سُورة فُصِّلت و "النازعات" هو على سَبِيل التَّفْصِيل، وهَذا أيضًا جَارٍ على عَادَة العَرَب في تَقْدِيم الإجْمَال على التَّفْصِيل، ألَا تَرى أنَّ سُورة الفاتحة جاءت مُجْمَلة مُتَضَمِّنَة لِمَا في الكِتَاب العَزِيز، ثم جَاء تَفْصِيل ذَلك فِيما بَعْد، فالْهِدَاية - مَثَلًا - جَاءت مُجْمَلة في "الفَاتحة" ثم جَاءت مُفَصَّلَة فيما بَعْد في التَّنْزِيل.

رَوَى الشَّعبي عن ابنِ عباس أنه سَمَّاهَا أسَاس القُرآن. قال: وأسَاسُها بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم (١).

قال ابن جرير عن "الفَاتحة": وإنما قِيل لها - بِكونها كَذلك - أمَّ القُرآن، لِتَسْمِيَة العَرَب كُلّ جَامِع أمْرًا، أوْ مُقَدِّمٍ لأمْر - إذا كَانَتْ لَه تَوابِعُ تَتْبَعُه، هُو لَها إمَام جَامِع - "أمًّا" (٢).

وقِيل: إنما سُمِّيَتْ بِذلك لِرُجُوع مَعَاني القُرآن كُلّه إلى مَا تَضَمَّنَتْه (٣).


(١) ذَكَره ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ١٥٢).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (١/ ١٠٥).
(٣) ذَكَره ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١/ ١٥٣).

<<  <   >  >>