للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[صورة التعارض]

في صَدْر آيتي "النساء" أخْبَر الله أنه لا يَغْفِر أن يُشْرَك به، وفي آيَات "الفُرْقَان" أخْبَر سُبحانه وتَعالى أنه يَغْفِر لِمن تَاب مِنْ شرْكه، وفي آية "الزُّمَر" أخْبَر أنه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا، ويَدْخُل في هَذا العُمُوم الشِّرْك وغَيره.

[جمع القرطبي]

قال القرطبي:

رُوي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تَلا: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فَقَال لَه رَجُل: يا رَسول الله والشِّرْك؟ فَنَزَل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (١).

وهذا مِنْ الْمُحْكَم الْمُتَّفَق عَليه الذي لا اخْتِلاف فِيه بَيْن الأمَّة.

(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) مِنْ الْمُتَشَابِه الذي قَدْ تَكَلَّم العُلَمَاء فيه؛ فَقال محمد بن جرير الطبري: قد أبَانَتْ هَذه الآيَة أنَّ كُلَّ صَاحِب كَبِيرَة فَفِي مَشِيئَة الله تعالى، إن شَاء عَفَا عَنه ذَنْبه، وإن شَاء عَاقَبه عَليه مَا لَم تَكُنْ كَبِيرَته شِرْكًا بِالله تَعالى.

وقال بعضهم: قد بَيَّن الله تعالى ذلك بِقَوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [النساء: ٣١]، فاعْلَم أنه يَشَاء أن يَغْفِر الصَّغَائر لِمَنْ اجْتَنَب الكَبَائر ولا يَغْفِرْهَا لِمَنْ أَتَى الكَبَائر، وذَهَب بَعْض أهْل التَّأوِيل إلى أنَّ هَذه الآيَة نَاسِخَة للتي في آخِر الفُرْقَان، قال زيد بن ثابت: نَزَلَتْ سُورة النِّسَاء بَعْد الفُرْقَان بِسِتَّة أشْهُر.


(١) رواه أحمد (ح ٢٢٣٦٢) وقال مُحققو المسند: إسناده ضعيف. ورواه ابن جرير (٥/ ١٢٥) وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٢٣٩) إلى عبد بن حُميد.

<<  <   >  >>