للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الباحث]

لَيْس بَيْن الآيات تَعَارُض؛ لأنَّ إثْبَات شَهَادَة الرُّسُل على أُمَمهم لا يُنَافِيه قَول الرُّسُل. (لَا عِلْمَ لَنَا)؛ لأنَّ نَفْي العِلم يَكُون بِأمُور:

الأوَّل - وهو مَا اخْتَارُه جَمْع من الْمُفَسِّرِين، وهو قَول ابن عباس رضي الله عنهما -: لا علْم لَنا إلَّا علْم أنْت أعْلَم به منَّا، وهو مَقام الْمُتَأدِّب مَع الله.

والثَّاني: أنَّ ذلك يَكُون حَال شِدَّة الْهَول، وقد رَدَّه غَير واحِد مِنْ الْمُفَسِّرين؛ لأنه خِلاف مَا يَكون مِنْ حَال الْمُؤمِنين الآمِنين يوم الفَزَع فَضْلًا عن الرُّسُل الذين هُمْ أكْمَل الْخَلْق، ودَعْواهم يَومَئذ: اللهم سَلِّم سَلِّم.

ومَا قِيل في تَضْعِيف هذا القَول مِنْ أنَّ الأنْبِياء لا خَوْف عَليهم ولا هُمْ يَحْزَنُون، وأن أهْل الإيمان لا يَحزُنُهم الفَزَع الأكْبَر؛ مُتعقّب بأنَّ الْخَوف الْمَنْفي عنهم ليس مُطلَق الْخَوف، وإنّما هو الْخَوف الشَّدِيد الذي تَزُول مَعه القُلُوب ويَدُلّ عليه أنَّ الأنبياء تَفْزَع مِنْ هَول يَوْم القِيَامَة، وقد جاء في الحديث الإخْبَار عن الأنْبياء قَولهم للنَّاس يَوم القيامة: إن ربي قد غَضِبَ اليوم غَضَبًا لَم يَغْضَب قبله مثله، ولن يَغضب بَعده مثله (١).

وفي الحديث: لا تُخَيِّرُوا بين الأنبياء، فإنَّ الناس يُصْعَقُون يوم القيامة، فأكُون أوَّل مَنْ تَنْشَقّ عنه الأرْض، فإذا أنا بِمُوسى آخِذ بِقَائمَة مِنْ قَوائم العَرْش، فَلا أَدْرِي أكَان فِيمَن صُعِق أمْ حُوسِب بِصَعْقَةِ الأُولى (٢).

ونظير نَفْي الْخَوف والْحُزن هنا نَفْي الْمُحاسَبَة في حَقِّ الْمُؤمِن، وقد قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ حُوسِب عُذِّب. فَقَالت عَائشة: أوَلَيس يَقُول الله تَعالى: (فَسَوْفَ


(١) رواه البخاري (ح ٤٤٣٥).
(٢) رواه البخاري (ح ٢٢٨١).

<<  <   >  >>