للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكْثر النَّقْل عن ابن جرير في آية "المائدة"، ورَجَّح مَا اخْتَارَه ابن جرير واسْتَحْسَن ذلك الاخْتِيَار، لأنه "مِنْ بَاب التَّأدُّب مَع الرَّبَ جَل جَلاله. أي: لا عِلْم لَنا بِالنِّسْبَة إلى عِلْمِك الْمُحِيط بِكلّ شَيء، فنحن وإن كُنَّا قَدْ أُجِبْنَا وعَرَفْنَا مَنْ أَجَابَنَا، ولَكِن مِنهم مَنْ كُنَّا إنما نَطّلِع على ظَاهِره لا عِلْم لَنا بِبَاطِنه، وأنْتَ العَلِيم بِكُلّ شَيء، الْمُطَّلِع على كُلّ شَيء؛ فَعِلْمُنا بِالنِّسْبَة إلى عِلمِك كَلا عِلْم، فـ (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) " (١).

وهذا الذي رَجَّحَه ابن القيم لأنَّ "هَذا هو الأدَب الْمُطَابِق للحَقّ في نَفْس الأمْر، فإنَّ عُلُومَهم وعُلُوم الْخَلائق تَضْمَحِلّ وتَتَلاشَى في عِلْمِه سُبحانه، كما يَضْمَحِلّ ضَوء السِّراج الضَّعِيف في عَيْن الشَّمْس" (٢).

وجَمَع الشنقيطي بَيْن الآيَات مِنْ ثَلاثَة أوْجُه، ضَعَّف آخِرها:

الأوَّل: وهو اختيار ابن جرير، وقال فيه ابن كثير: لا شَك أنه حَسَن - أنَّ الْمَعْنَى: لا عِلْم لَنا إلَّا عِلْم أنْت أعْلَم بِه مِنَّا، فَلا عِلْم لَنا بِالنِّسْبَة إلى عِلْمِك الْمُحِيط بِكُلّ شَيء، فنحن وإن عَرَفْنَا مَنْ أجَابَنَا فإنّمَا نَعْرِف الظَّواهِر ولا عِلْم لَنا بِالبَواطِن، وأنْت الْمُطَّلِع على السَّرَائر ومَا تُخْفِي الضَّمائر؛ فَعِلْمُنا بِالنِّسْبَة إلى عِلْمِك كَلَا عِلْم.

الثاني: أنهم قَالوا: (لَا عِلْمَ لَنَا)، لِمَا اعْتَرَاهُم مِنْ شِدَّة هَول يَوْم القِيَامَة، ثم زَال ذَلك عنهم فَشَهِدُوا على أُمَمِهم.

الثالث: - وهو أضْعَفها - أنَّ مَعْنَى قَوله: (مَاذَا أُجِبْتُمْ): ماذا عَمِلُوا بَعْدكم، ومَا أحْدَثُوا بَعْدَكم؟ قَالوا: (لَا عِلْمَ لَنَا). ذَكَر ابن كثير وغيره هذا القَول، ولا يَخْفَى بُعْده عن ظاهِر القرآن (٣).


(١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٥/ ٤١١).
(٢) شفاء العليل، مرجع سابق (ص ١٨٧).
(٣) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق (ص ٧٩، ٨٠).

<<  <   >  >>