للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جمع القرطبي]

نَقَل القرطبي عَنْ ابن عباس قَوله: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ) في النَّفْخَة الأُولَى، ثم يُنْفَخ في الصُّوْر فَصَعِق مَنْ في السَّمَاوَات ومَن في الأرْض ومَن في الأرْض إلَّا مَنْ شَاء الله. فلا أنْسَاب بَيْنَهم عِند ذَلك ولا يَتَسَاءَلُون، ثُمّ في النَّفْخَة الآخِرَة أقْبَل بَعْضُهم عَلى بَعْض يَتَسَاءَلُون (١).

وقَال في تَفْسِير قَوله تَعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) [يونس: ٤٥]: وهَذا التَّعَارُف تَعَارُف تَوبِيخ وافْتِضَاح، يَقُول بَعْضُهم لِبَعْض: أنْتَ أضْلَلْتَنِي وأغْوَيْتَنِي وحَمَلْتَنِي عَلى الكُفْر، ولَيْس تَعَارُف شَفَقَة ورَأفَة وعَطْف، ثم تَنْقَطِع الْمَعْرِفَة إذَا عَايَنُوا أهْوَال يَوْم القِيَامَة، كَما قَال: (وَلَا يَسْأَلٌ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج: ١٠].

وقِيل: يَبْقَى تَعَارُف التَّوبِيخ، وهو الصَّحِيح، لِقَولِه تَعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ) إلى قَوله: (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سبأ: ٣١ - ٣٣]، وقَوله: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا) [الأحزاب: ٦٧] الآية.

فأمَّا قَوله: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج: ١٠]، وقَوله: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، فَمَعْناه: لا يَسْألُه سُؤَال رَحْمَة وشَفَقَة. والله أعلم.

وقِيل: القِيَامَة مَوَاطِن.

وقِيل: مَعْنَى (يَتَعَارَفُونَ) يَتَسَاءَلُون، أي: يَتَسَاءَلُون كَمْ لَبِثْتُم؟ كَمَا قَال: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)، وهَذا حَسَن.

وقَال الضَّحَّاك: ذَلك تَعَارُف تَعَاطُف الْمُؤْمِنِين، والكَافِرُون لا تَعَاطُف عَليهم، كَما قَال: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ)، والأوَّل أظْهَر، والله أعلم (٢).


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ١٥).
(٢) المرجع السابق (٨/ ٣١٢).

<<  <   >  >>