للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا الشَّنْقِيطي فَقَد ذَكَر ثَلاثَة أوْجُه في الْجَمْع بَيْن الآيَات، فَقَال:

الْجَوَاب عن هَذا بِأمُور:

الأوَّل: مَا أخْرَجَه ابنُ جَرير عن عِكرمة والسُّدّي مِنْ أنَّ زَكَرِيّا نَادَتْه الْمَلائكَة وهو قَائم يُصَلِّي في الْمِحْرَاب: أنَّ الله يُبَشِّرُك بِيَحْيَى، قَال لَه الشَّيْطَان: لَيْس هَذا نِدَاء الْمَلائكَة، وإنّمَا هُو نِدَاء الشَّيْطَان، فَدَاخَل زَكَرِيّا الشَّك في أنَّ النِّدَاء مِنْ الشَّيْطَان، فَقَال عنْد ذَلك الشَّك النَّاشئ عَنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان قَبْل أن يَتَيَقّن أنّه من الله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) ولِذَا طَلَب الآيَة (١) مِنْ الله عَلى ذَلك بِقَولِه: (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) الآية.

الثاني: أنّ اسْتِفْهَامَه اسْتِفْهَام اسْتِعْلام واسْتِخْبَار؛ لأنّه لا يَدْرِي هَلْ الله يَأتِيه بالوَلَد مِنْ زَوْجِه العَجُوز، أوْ يَأْمُرَه أن يَتَزَوَّج شَابَّة، أوْ يَرُدّهما شَابَّيْن؟

الثالث: أنَّه اسْتِفْهَام اسْتِعْظَام وتَعَجُّب مِنْ كَمَال قُدْرَةِ الله تعالى (٢).

[رأي الباحث]

لا تَعَارُضَ بَيْن الآيَات، فَزَكَرِيّا عَليه الصَّلاة والسَّلام لَم يَشُكّ في قُدْرَة الله تَعالى، كَمَا لَم يَشُكّ إبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام حِينَمَا سَأل الله أن يُرِيَه كَيف يُحْيِي الْمَوْتَى.

وسُؤال زَكَرِيّا سُؤال تَعجُّب، وهو سُؤَالٌ عن الكَيْفِيَّة - ورُبّمَا والزَّمَان -.

والسُّؤال كَان في مُنَاسَبَتِه حِينَمَا رَأى فَضْل الله وعَطَاءه ورِزْقَه لِمَرْيم عَليها السَّلام، والبُشْرَى كَانَتْ بَعْد ذَلك.

ولا إشْكَال في تَأخُّر إجَابَة دَعَوَات الأنْبِيَاء. قَال ابنُ جُريج عَنْ دَعْوَة مُوسَى عليه الصلاة والسلام على فِرْعَون: يَقُولُون: إنَّ فِرْعَون مَكَثَ بعد هَذه الدَّعْوة أرْبَعِين سَنَة.

وقال محمد بن كَعب وعلي بن الحسين: أرْبَعِين يَوْمًا (٣).


(١) أي: العلامة.
(٢) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق (ص ٣٥).
(٣) نقلها ابن كثير في التفسير.

<<  <   >  >>