للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودَعَا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فَكَانَت إجَابَة دَعْوتَه بِمَبْعَث نَبِيِّنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

سُئل عليه الصلاة والسلام: مَا كَان أوَّل بَدْء أمْرِك؟ قال: دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم وبُشْرَى عِيسَى (١).

وقَد أشْكَل عَلى بَعْض الْمُتَكَلِّمِين "أنَّ دُعَاء الأنْبِيَاء والرُّسُل عليهم الصلاة والسلام لا يَكُون إلَّا بَعْد الإذْن لاحْتِمَال ألا تَكُون الإجَابَة مَصْلَحَة، فَحِينَئذٍ تَصِير دَعْوتُه مَرْدُودَة، وذَلك نُقْصَان في مَنْصِب الأنْبيَاء عليهم الصَّلاة والسَّلام" (٢).

وقد أذن تَعَالى في الدُّعَاء مُطْلَقًا، وبَيَّن أنّه تَارَة يُجِيب وأُخْرَى لا يُجِيب، فَلِلرَّسُول أن يَدْعُو كُلَّمَا شَاء وأرَادَ مِمَّا لا يَكُون مَعْصِيَة، ثُم إنّه تَعَالى تَارَة يُجِيب وأُخْرَى لا يُجِيب، وذَلك لا يَكُون نُقْصَانًا بِمَنْصِب الأنْبِيَاء عَليهم الصَّلاة والسَّلام (٣).

وفي صَحيح مُسْلِم (٤) قَوله عَليه الصَّلاة والسَّلام: سَألْتُ رَبِّي ثَلاثًا، فَأعْطَاني ثِنْتَين ومَنَعَنِي واحِدَة: سَألْتُ رَبِّي ألا يُهْلِك أُمَّتِي بالسَّنَة، فَأَعْطَانِيها، وسَألتُهُ ألا يُهْلِك أُمَّتِي بالغَرق، فَأعْطَانِيها، وسَألْتُه ألا يَجْعَل بأَسهَم بَيْنَهم، فَمَنَعَنِيها.

والذي يَظْهَر ضَعْف القَوْل بِأنَّ الشَّيْطَان خَاطَب زَكَرِيّا عَليه الصَّلاة والسَّلام، وأنه أدْخَل الشَّكّ إلى نَفْسِه؛ لأنَّ إثْبَات مِثل هَذا يَحْتَاج إلى إسْنَاد عَنْ الْمَعْصُوم صَلى الله عليه وسلم، وهو مُتَعَذِّر هُنا.

كَمَا أنه مُتَضَمِّن للتَّقْلِيل مِنْ شَأن الأنبِيَاء عَليهم الصَّلاة والسَّلام.

والأَوْلى الإعْرَاض عَنْ مِثْل هَذه الرِّوَايات التي لم تَصِحّ، ولَعَلَّها مِمَّا يُتَنَاقَل عَنْ بَنِي إسْرَائيل. والله تعالى أعلم.


(١) رواه أحمد (ح ٢٢٢٦١) من حديث أبي أمامة. وقال محققو المسند: صحيح لغيره.
ورواه من حديث العرباض بن سارية (ح ١٧١٥٠) و (ح ١٧١٦٣) بمعناه.
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٨/ ٣٠).
(٣) المرجع السابق، الموضع السابق، بتصرف يسير.
(٤) (ح ٢٨٩٠).

<<  <   >  >>