للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قَولِه لِمَّا سَألَه جِبْرِيل عليه السَّلام عَنْ الإيمان فَقَال: "أن تُؤمِن بِالله ومَلائكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه (١) والقَدَر (٢) خَيْرِه وشَرِّه" (٣). ولا يَتّصِف بِهَذا الإيمان إلَّا مَنْ دَخَل في الْمِلَّة الإسْلامِيَّة، فَمَنْ لَم يُؤمِن بِمُحَمَّد صَلى الله عليه وسلم، ولا بِالقُرآن؛ فَلَيْس بِمُؤمِن. ومَن آمَن بِهِما صَار مُسْلِمًا مُؤمِنًا، ولم يَبْق يَهُودِيًّا ولا نَصْرَانِيًّا ولا مَجُوسِيًّا. انتهى (٤).

ثم نَقَل القاسمي عن الرَّاغِب تَوْجِيه قَول ابنِ عَباس في النَّسْخ، وأقَرَّه، فَقَال: وقَول ابنِ عباس: إنَّ هَذا مَنْسُوخ بِقَولِه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران: ٨٥] يَعْنُون أنَّ هَذه الأدْيَان كُلّها مَنْسُوخَة بِدِين الإسْلام، وأنَّ الله عَزّ وجَلّ جَعَل لَهُمْ الأجْر قَبْل وَقْت النَّبِيّ صَلى الله عليه وسلم، فأمَّا في وَقْتِه فالأدْيَان كُلّها مَنْسُوخَة بِدِينِه (٥).

[رأي الباحث]

لا تَعَارُض بَيْن الآيَات، فآيَة "البَقَرة" في حَقّ مَنْ آمَن بِالله واليَوْم الآخِر وعَمِل صَالِحًا، فَلَه أجْرُه عِند رَبِّه، وهَذا أمْر مُتَكَرِّر في القُرْآن، كَما في قَوله تَعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف: ٣٠].

وأمَّا عَطْف (مَنْ آمَنَ) عَلى (الَّذِينَ آمَنُوا) فَهو مِنْ بَاب التَّأكِيد في حَقّ الْمُؤمِنِين، كَقَولِه تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [النساء: ١٣٦].


(١) في الحديث ذَكر الإيمان باليوم الآخر هنا (صحيح مسلم ح ٨) من حديث عمر رضي الله عنه، وفي حديث أبي هريرة: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر". وسيأتي تخريجه.
(٢) الذي في الصحيح: وتؤمن بالقدر ....
(٣) ورواه بنحوه من حديث أبي هريرة: البخاري (ح ٤٤٩٩)، ومسلم (ح ٩).
(٤) محاسن التأويل، مرجع سابق (١/ ٣٤٩).
(٥) المرجع السابق (١/ ٣٥٠).

<<  <   >  >>