للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مقارنة جوابه وجمعه بين الآيات بجمع غيره من العلماء]

دَافَع ابنُ جرير عن قَول وَهْب بن مُنبِّه، فَقَال: فأمَّا سَبَب وُصُولِه (١) إلى الْجَنَّة حَتى كَلَّم آدَم بَعْد أن أخْرَجَه الله منها وطَرَدَه عَنها، فَلَيس فيما رُوي عن ابن عباس ووَهْب بن مُنَبِّه في ذلك مَعْنَى يَجوز لِذي فَهْم مُدَافَعَته إذْ كَان ذلك قَولًا لا يَدْفَعه عَقُل ولا خَبر يَلزَم تَصْدِيقه مِنْ حُجَّة بِخِلافِه، وهو مِنْ الأمُور الْمُمكِنَة.

والقَول في ذلك أنه قَدْ وَصَل إلى خِطَابِهما على ما أخْبَرَنا الله جَلّ ثَناؤه. ومُمْكِن أن يَكُون وَصَل إلى ذلك بنَحْو الذي قَالَه الْمُتَأوِّلُون - بَلْ ذلك إن شَاء الله كَذلك - لِتَتَابُع أقْوَال أهْل التَّأويل عَلى تَصْحِيح ذلك - وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك -: الله أعْلَمُ أكَمَا قال ابن عباس وأهْل التَّوْرَاة، أمْ خَلص إلى آدَم وزَوْجَته بِسُلْطَانِه الذي جَعَل الله لَه لِيَبْتَلِي به آدَم وذُرِّيَّتَه؟ وأنه يَأتي ابن آدَم في نَوْمَته وفي يَقَظَتِه، وفي كُلّ حَال مِنْ أحْوَاله حتى يَخْلُص إلى مَا أرَاد مِنه حتى يَدْعُوه إلى الْمَعْصِيَة، ويُوقِع في نَفْسِه الشَّهوَة وهو لا يَرَاه، وقد قال الله: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) [الأعراف: ٢٠]، (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) [البقرة: ٣٦] … قال ابن إسحاق: وإنما أمْرُ ابن آدم فِيمَا بَيْنَه وبَيْن عَدُوّ الله كأمْرِه فِيمَا بَيْنَه وبَيْن آدم.

قال ابن جرير: ولَيْس في يَقِين ابن إسحاق - لَو كَان قَدْ أيْقَن في نَفْسِه - أن إبْليس لم يَخْلُص إلى آدَم وزَوْجَته بالْمُخَاطَبَة بِمَا أخْبَر الله عنه أنه قَال لَهُما وخَاطَبَهُمَا بِهِ - مَا يَجُوز لذي فَهْم الاعْتِرَاض بِه عَلى مَا وَرَد مِنْ القَول مُسْتَفِيضًا مِنْ أهْل العِلْم مَع دَلالَة الكِتَاب عَلى صِحَّة مَا اسْتَفَاض مِنْ ذَلك بَيْنَهم، فَكَيف بِشَكّه؟ والله نَسأل التَّوفيق (٢).


(١) يَعني "إبليس".
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (١/ ٥٦٨، ٥٧٠) باختصار يسير.

<<  <   >  >>