للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال الثالث:

القتال في الأشهر الْحُرُم بين الْمَنْع والإبَاحَة:

قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: ٢١٧] مع قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة: ٣٦].

[صورة التعارض]

في الآيَة الأُولى تَحْرِيم القِتَال في الأشْهُر الْحُرُم، وهو كَقَولِه تَعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة: ٥]، وفي الآيَة الثَّانِيَة الأمْر بِقِتَال الْمُشْرِكين بِعَامَّة.

جَمع القرطبي:

قال القرطبي: واخْتَلَف العُلَمَاء في نَسْخ هَذه الآيَة؛ فالْجُمْهُور على نَسْخِها، وأنَّ قِتَال الْمُشْرِكِين في الأشْهُر الْحُرُم مُبَاح، واخْتَلَفُوا في نَاسِخِها.

فَذَكَر أقوالًا ثم قال:

وذَكَر البيهقي (١) عن عُروة بن الزَّبير مِنْ غَير حديث محمد بن إسحاق في أثَر قِصَّة الْحَضْرَمِي (٢)، فأنْزَل الله عَزَّ وَجَلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) الآية، قَال: فَحَدَّثَهم الله في كِتَابِه أنَّ القِتَال في الشَّهْر الْحَرَام كَمَا كَان، وأنَّ الذي يَسْتَحِلّون مِنْ الْمُؤمِنِين هُو أكْبَر مِنْ ذَلك؛ مِنْ صَدِّهم عَنْ سَبِيل الله حين يَسجُنونهم ويُعَذِّبُوهم ويَحْبِسُونهم أن يُهَاجِرُوا إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكُفْرِهم بالله، وصَدِّهم الْمُسْلِمِين عَنْ الْمَسْجد الْحَرَام في الْحَجّ والعُمْرَة والصّلاة فيه، وإخْرَاجهم أهْل الْمَسْجِد الْحَرَام - وهُم سُكَّانه مِنْ الْمُسْلِمِين - وفِتْنَتهم إيّاهم عَنْ الدِّين؛ فَبَلَغَنَا أنَّ


(١) السنن الكبرى (ح ١٧٥٢٤).
(٢) تُنْظَر قصة قَتْل ابن الحضرمي في: "جامع البيان" (٣/ ٦٥٠ - ٦٦٠).

<<  <   >  >>