للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٩ - مُتَّصِلَة بِمَا قَبْلَها، والْمَعْنَى: لا يُصدَّنَّكُم تَخْرِيب الْمَسَاجِد، فَالأرْض كُلّها مَسْجِد.

١٠ - نَزَل حين صُدّ النبي صلى الله عليه وسلم عَام الْحُدَيْبِيَة.

[مقارنة جوابه وجمعه بين الآيات بجمع غيره من العلماء]

ذَكَر ابنُ جَرير مَعْنَى قَولِه: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)، فَقَال: يَعْنِي جَلّ ثناؤه: لله مِلْكُهُمَا وتَدْبِيرُهُمَا … فَذَلك قَوله: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يَعْنِي: أنّهُمَا لَه مِلْكًا وخَلْقًا.

ثم أجَاب عن إشْكَال مَضْمُونه: "كيف خَصّ الْمَشَارِق والْمَغَارِب بِالْخَبَر عَنها أنّها لَه في هَذا الْمَوْضِع دُون سَائر الأشْيَاء غَيْرَها"؟

وذَكَر مَا جَاء عن اليَهُود حِكَاية عن بَعْضِهم. فَقَالُوا: مَا وَلَّاهم عن قِبْلَتِهِم التي كَانُوا عَليها؟ فَقَال الله تَبَارَك وتَعالى لهم: الْمَشَارِق والْمَغَارِب كُلّها لي أصْرِف وُجُوه عِبَادِي كَيف أشَاء مِنْها فَحَيْثُمَا تُولُّوا فَثَمّ وَجْه الله.

وحَكَى عَنْ آخَرين قَولهم: بل أنْزَل الله هَذه الآيَة قَبْل أن يَفْرِض على نَبِيِّه صَلى الله عليه وسلم وعلى الْمُؤمِنِين به التَّوَجّه شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام.

وإنما أنْزَلَها عليه مُعْلِمًا نَبِيَّه عليه الصلاة والسلام بذلك وأصْحَابه أنَّ لَهم التَّوَجَّه بِوُجُوهِهم للصَّلاة حَيْث شَاءُوا مِنْ نَواحِي الْمَشْرِق والْمَغْرِب، لأنّهم لا يُوَجِّهُون وُجُوهَهم وَجْهًا مِنْ ذلك ونَاحِية إلَّا كَان جَلّ ثَنَاؤه في ذَلك الوَجْه وتِلك النَّاحِية؛ لأنَّ لَه الْمَشَارِق والْمَغَارِب، وأنه لا يَخْلُو مِنه مَكَان (١)، كَمَا قَال جَلَّ وَعَزَّ: (وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ


(١) ليس القصد ما تَقُوله الحلولية؛ فابْنُ جرير من أئمة أهل السُّنة، وله كُتُب في بيان اعتقاد أهل السنة، مثل كتاب "صريح السنة"، سار فيها على منهج سلف الأمة. ولذا ضمنه اللالكائي شرح أصول اعتقاد أهل السنة (١/ ١٨٣ - ١٨٦). وهو يقصد بذلك علم الله، لا ذاته. بدليل استشهاده بالآية، وقد قَال في تَفْسِيرِها (٢٢/ ٤٦٨): وعَنَى بِقَولِه: (هُوَ رَابِعُهُمْ) بِمَعْنَى أنه مُشَاهِدهم بِعِلْمِه وهو على عَرْشِه. وقال (٢٢/ ٣٨٧) في تفسير (هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد: ٤] وهُو شَاهد لكم أيها الناس أينما كنتم، يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سماواته السبع.
قال ابن كثير (٢/ ٣٠): وفي قوله: "وأنه تعالى لا يخلو منه مكان" إن أراد علمه تعالى؛ فصحيح، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. اهـ.
روى ابن عبد البر في التمهيد (٧/ ١٣٨) عن مالك بن أنس أنه قال: الله عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه مكان.

<<  <   >  >>