للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإخْبَار بِعَدَم وُجُوب تَدَارُك أمْرِهم على النبي صلى الله عليه وسلم مُؤذِن بِوُجُوبِه عليهم حَسْبَما يَنْطِق بِه مَا بَعْدَه مِنْ الشَّرْطِيَّة (١).

[رأي الباحث]

لا تَعَارُض بَيْن الآيَات، إذْ أنّ آية "البقرة" في عُمُوم الصَّدَقَات، وجَوَازِها على الكُفَّار، ويُسْتَثْنَى مِنْ ذَلك الزَّكَاة الوَاجِبة، لِمَا جَاء في السُّنَّة.

وآية "الممتحنة" في جَوَاز صِلَة وبِرّ مَنْ لَم يَكن مُحَارِبا مِنْ الكُفَّار، ومَن لم يَكُنْ مُعَادِيا، وصِلَته أيضًا لا تَكون مِنْ الزَّكَاة الوَاجِبَة.

وهذا يَكَاد يَكون إجْمَاعا، ومِمَّن حَكَى الإجْمَاع ابن عبد البر، حَيث قَال: ولَم يَخْتَلِف العُلَماء في الصَّدَقة التَّطَوُّع أنّها جَائزة مِنْ الْمُسْلِم على الْمُشْرِك قَرِيبًا كَان أوْ غَيره … وإنّمَا اخْتَلَفُوا في كَفَّارَة الأيْمَان وزكاة الفِطْر؛ فَجُمْهور العُلَماء على انه لا تَجُوز لِغير الْمُسْلِمِين، لقَوله صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أن آخذ الصدقة مِنْ أغنيائكم وأرُدّها على فُقَرائكم. وكَذلك كُل مَا يَجِب أن يُؤخَذ منهم فَواجِب أن يُرَدّ على فُقَرَائهم. وأجْمَعُوا أنَّ الزَّكاة الْمَفْرُوضَة لا تَحِلّ لِغَير الْمُسْلِمين، فَسَائر مَا يَجِب أدَاؤه عَليهم مِنْ زَكاة الفِطْر وكَفَّارَة الأيْمَان والظِّهار، فَقِياس على الزَّكاة عِندنا، وأمَّا التَّطَوع بالصَّدَقَة فَجَائز على أهْل الكُفْر مِنْ القَرَابات وغَيرهم، لا أعْلم في ذَلك خِلافًا. والله أعلم (٢).

والقرطبي جَمَع بين الآيَات بِما جَاء في السُّنّة.

وفَاتَ القرطبي الاسْتِدْلال بِمَا جَاء في الصحيحين (٣) أنَّ عُمر بن الخطاب رَأى حُلّة سِيَرَاء عِند بَاب الْمَسْجِد، فَقَال: يا رسول الله لو اشْتَرَيْت هَذه فَلَبِسْتَها يَوْم الْجُمُعَة


(١) محاسن التأويل، مرجع سابق (٣/ ٢٥٤، ٢٥٥).
(٢) التَّمْهِيد، مرجع سابق (١٤/ ٢٦٣).
(٣) البخاري (ح ٨٤٦)، ومسلم (ح ٢٠٦٨).

<<  <   >  >>