للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسْتَطَعْنا؟ والأمْر باتِّقَائه حَقّ تُقَاته إيجَاب القُرْآن بِغَير خُصُوص ولا وُصِلَ بِشَرْط، والأمْر باتِّقائه مَا اسْتَطَعْنَا أمْر باتِّقائه مَوْصُولًا بِشَرْط؟

قِيل لَه: قَوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: ١٦] مِمَّا دَلّ عَليه قَوله تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: ١٠٢]، وإنما عَنَى بِقَولِه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فَاتَّقُوا الله أيُّهَا النَّاس ورَاقِبُوه فِيمَا جَعَل فِتْنَة لَكُمْ مِنْ أمْوَالِكُم وأوْلادِكُم أن تَغْلِبكُم فِتْنَتُهم وتَصُدّكُم عن الوَاجِب لله عَليكم مِنْ الْهِجْرَة مِنْ أرْض الكُفْر إلى أرْض الإسْلام، فَتَتْرُكُوا الْهِجْرَة (مَا اسْتَطَعْتُمْ) بِمَعْنَى: وأنتم للهِجْرة مُسْتَطِيعين (١).

مُلخَّص جواب القرطبي:

١ - أنَّ آيَة "آلِ عِمْران" لَيْسَتْ مَنْسُوخَة، وإن كَان قَدْ قِيل بالنَّسْخ؛ لأنَّ النَّسْخ إنما يَكُون عِند عَدَم الْجَمْع، والْجَمْع مُمْكِن؛ فهو أوْلى (٢).

٢ - أنَّ الأمْر بَتَقْوَى الله حَقّ تُقَاتِه لا يُعَارِضُه الأمْر بالتَّقْوى حَسب الاسْتِطَاعة، لأنَّ الآيَة الثَّانِيَة في سِيَاق الفِتْنَة بالْمَال والأهْل والوَلد، فَقَد تَقَدَّمَها قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن: ١٤، ١٥]، ثم إنَّ الْمُسْلِم مَأمُور أن يَأتي مِنْ العَمَل مَا يَسْتَطِيع، ولا يُكَلَّف إلَّا مَا يَسْتَطِيع.

مُقارنة جوابه وجَمْعه بين الآيات بجَمْع غيره من العلماء:

مِمَّنْ حَكَى القَولين - النَّسْخ والإحْكَام -: ابن جرير الطبري، فإنه قَال في آيَة "آل عمران": اخْتَلَف أهْل التأويل في هَذه الآيَة: هَلْ هي مَنْسُوخَة أم لا؟


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٨/ ١٢٩).
(٢) وإليه ذهب الشوكاني في "فتح القدير" (١/ ٣٦٧).

<<  <   >  >>