للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَال بَعْضُهم: هي مُحْكَمة غير مَنْسُوخَة.

وقال آخَرُون: هي مَنْسُوخَة، نَسَخَها قَوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١).

وكأنه رَجَّح القَوْل بالنَّسْخ حَيث أكْثَر مِنْ الرِّوَاية عن القَائِلين بالنَّسْخ، في حِين اقْتَصَر عَلى رِوايَتَين فِيما يَتَعَلَّق بالقَوْل الأوَّل، وهو أنها مُحْكَمَة.

وأَلْمَحَ أبو الليث السمرقندي إلى القَول بالنَّسْخ، فَقَال: قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) يَقُول: أطِيعُوا الله حَقّ طَاعَته، وحَقّ طَاعَته أن يُطَاع فلا يُعْصَى طَرْفَة عَين، وأن يُشْكَر فَلا يُكْفَر طَرْفَة عَين، وأن يُذكَر فلا يُنْسَى طَرْفَة عَين، فَشَقّ ذلك على الْمُسْلِمِين، فأنْزَل اللهُ تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فَنَسَخَتْ هَذه الآيَة ....

وقال بَعْضُهم: لا يَجُوز أن يُقَال هَذه الآيَة مَنْسُوخة؛ لأنه لا يَجُوز أن يأمُرَهم بشَيء لا يُطِيقُونَه بل إنهم يُطِيقُونَه ولَكِن تَلْحُقُهم مَشَقَّة شَدِيدَة، وكَان ذَلك مَجْهُود الطَّاقَة، ولا يَسْتَطِيعون الدَّوَام عَليه، واللهُ تَعالى لا يُكَلِّف عِبَادَة إلَّا دُون ما يُطِيقُونَه، فَخَفَّفَ عنهم بِقوله تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولم يُنْسَخ آخِر الآيَة، وهو قَوله تعالى: (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) يَعني: اثبُتُوا عَلى الإسْلام، وكُونُوا بِحَالِ يَلْحَقكم الْمَوت، وأنْتم عَلى الإسْلام (٢).

وجَمَع السمعاني بَيْن آية "آل عِمْران" وآيَة "الطَّلاق" بِأنَّ إحْدَى الآيَتَين مُوافِقَة للأخْرَى ودَفَعَ القَول بالنَّسْخ، فأوْرَد قول قتادة: الآين مَنْسُوخَة بِقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، ثُم قَال:


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ٦٤١) باختصار.
(٢) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٢٥٩).

<<  <   >  >>