للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الباحث]

أكْثَر الْمُفَسِّرِين على أنَّ نَفْي السَّمْع والبَصَر إنَّمَا هو نَفْي رُؤيَة الْحَقّ وسَمَاعه، كَمَا عَمُوا عنه في الدُّنيا، ونَفْي الإبْصَار والسَّمْع والنُّطْق الذي يَسُرُّهم.

ألا تَرَى أنه (لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [النحل: ٨٤]، وهُو كَقَولِه تَعَالى: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات: ٣٥، ٣٦]، أي أنَّهم "لا يَنْطِقُون بِحُجَّة تَجب لَهم، وإنما يَتَكَلَّمُون بِالإقْرَار بِذُنُوبِهم، ولَوْم بَعْضهم بَعْضا، وطَرْح بَعْضهم الذُّنُوب على بَعض؛ فأمَّا التَّكَلُّم والنُّطْق بِحُجَّة لَهم فَلا" (١)، أوْ أنه عِنْدَمَا "يُخْتَم على أفْوَاهِهم فَلا يَنْطِقُون" (٢).

ونَفْي السَّمْع والبَصَر عنهم في الآخِرَة نَظِير نَفْيِه عنهم في الدُّنيا، وهو مَا اعْتَرَفُوا بِه: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: ١٠] أي: "لَو كُنَّا نَسْمَع سَمَاع مَنْ يَعِي ويُفَكِّر، أوْ نَعْقِل عَقْل مَنْ يُمَيِّز ويَنْظُر" (٣).

وعلى قَوْل مَنْ قَال: إنَّهم يُحشَرُون عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا؛ فَذلك في بَعْض مَوَاطِن الْحَشْر؛ وهذا له نَظِير في تَخَبُّط أكَلَة الرِّبا في الْمَحْشَر، كَمَا في قَولِه تَعَالى: (الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: ٢٧٥].

وقُلْتُ ذلك لأنَّ الكُفَّار يَتَكَلَّمُون في النَّار ويُحَاجّ بَعْضُهم بَعْضًا، وتُوبِّخُهم الْمَلائكَة فيَسْمَعُون ويُجِيبُون، وهذا يَلزَم مِنه إثْبَات السَّمْع والبَصَر والنُّطْق لهم في النَّار.

وأمَّا كَوْنُهم يُحْشَرُون على وُجُوهِهم، مع كَوْنِهم نَاكِسُوا رُؤوسِهم، فَهم يُطرِقُون في حَال الْحَشْر والْمُحَاسَبَة خزْيًا واعْتِرَافًا بِذُنُوبِهم، وإيقَانًا بِالبَوار، ثم إذَا حُوسِبُوا -


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٩/ ٨٤)، تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [هود: ١٠٥].
(٢) المرجع السابق (١٣/ ٢١٤).
(٣) المرجع السابق (١٨/ ١٨٧).

<<  <   >  >>