للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: إنها نَزَلَتْ في قَوم مِنْ الْمُسْلِمِين أسْرَفُوا على أنْفُسِهم في العِبَادَة وخَافُوا ألَّا يُتَقَبّل مِنهم لِذُنُوب سَبَقَت لَهم في الْجَاهِلِيَّة.

وقال ابن عباس أيضًا وعطاء: نَزَلَتْ في وَحْشِيّ قَاتِل حَمْزَة؛ لأنه ظَنَّ أنَّ الله لا يَقْبَل إسْلامَه.

ثم ذَكَر القرطبي أنَّ "في مُصْحَف ابن مسعود: إنَّ الله يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء.

ونَقَل عن النَّحَّاس أنها قِرَاءة تَفْسِيرِيَّة. والْمَعْنَى: يَغْفِر الله لِمَنْ يَشَاء. وقد عَرَف الله عَزَّ وَجَلّ مَنْ شَاء أن يَغْفِر لَه، وهو التَّائب، أوْ مَنْ عَمِل صَغِيرَة ولَم تَكُنْ لَه كَبِيرَة، ودَلّ على أنه يُريد التَّائب مَا بَعْده: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) [الزمر: ٥٤]، فَالتَّائب مَغْفُور لَه ذُنُوبه جَمِيعًا، يَدُلّ على ذلك: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ) [طه: ٨٢]، فَهذا لا إشْكَال فِيه.

وقال علي بن أبي طالب: مَا في القُرْآن آيَة أوْسَع مِنْ هَذه الآيَة: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) [الزمر: ٥٣].

وقال عبد الله بن عمر: وهَذه أرْجَى آيَة في القُرْآن، فَرَدّ عليهم ابن عباس وقال: أرْجَى آيَة في القُرْآن قَوله تَعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) [الرعد: ٦] (١).

[ملخص جواب القرطبي]

١ - أنَّ الله يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ تَاب، ولا يَغْفِر الشِّرْك لِمَنْ يَتُب مِنه، وهذا مُحْكَم مُتَّفَق عَليه.

٢ - أنَّ آيَة "النِّسَاء" نَاسِخَة لآيَة الفرقان.

٣ - آيَة "النساء" الثانية مُرْتَبِطَة بِسَبَب النُّزُول، ومَعْرِفَة السَّبَب تُعِين على فَهْم الآيَة.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٥/ ٢٣٤ - ٢٣٦) باختصار.

<<  <   >  >>