للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم يَطرِدُون ذَلك في أدِلَّة الوَحْيَيْن. قال أحْمَد شَاكِر: إذا تَعَارَض حَدِيثَان ظَاهِرًا، فإن أمْكَن الْجَمْع بَيْنَهُما فلا يُعْدَل عَنه إلى غَيْرِه بِحَالٍ، ويَجِب العَمَل بِهما (١).

المثال الأول: الوَصِيَّة للوَارِث:

من أول المواضِع التي دَفَع عنها القُرْطبي التَّعَارُض بالقَول بالنَّسْخ:

مَا جَاء في قَوله تَعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين) [البقرة: ١٨٠] مَع قَسْم الْمَوَارِيث في سُورَة النِّسَاء.

[صورة التعارض]

في آية "البَقَرَة" جَوَاز الوَصِيَّة للوَالِدَين والأقْرَبِين، وفي آيات سُورَة النِّسَاء إعْطَاء كل ذي حَقٍّ مِنْ الوَرَثة حقَّه.

قال القرطبي: اخْتَلَف العُلَمَاء في هَذه الآيَة: هَلْ هِي مَنْسُوخَة أو مُحْكَمَة؟

فقيل: هي مُحْكَمَة ظَاهِرها العُمُوم ومَعْنَاهَا الْخُصُوص في الوَالِدَين اللذين لا يَرِثَان كَالْكَافِرَين والعَبْدَين، وفي القَرَابَة غَير الوَرَثَة، قَالَه الضحاك وطاوس والحسن واختاره الطبري .... وقَال ابن المنذر: أجْمَع كُلّ مَنْ يُحْفَظ عَنه مِنْ أهْل العِلْم على أنَّ الوَصِيَّة للوَالِدَين اللذين لا يَرِثَان والأقْرِبَاء الذين لا يَرِثُون - جَائزَة.

وقال ابن عباس والحسن أيضًا وقتادة: الآيَة عَامَّة، وتَقَرَّرَ الْحُكْم بِهَا بُرْهَة مِنْ الدَّهْر، ونُسِخَ مِنْها كُلّ مَنْ كَان يَرِث بآية الفَرَائض.

وقد قيل: إن آية الفَرائض لم تَسْتَقلّ بنَسْخها، بل بضَميمَة أُخْرى، وهي قَوله عليه السلام: "إنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فَلا وَصِيَّة لِوَارِث". رَواه أبو


(١) البَاعِث الْحَثِيث شَرْح اخْتِصَار عُلُوم الْحَدِيث (٢/ ٤٨٢).

<<  <   >  >>