للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي قَوله تَعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: ١٦٥] قال القرطبي: فَيَقُولُوا مَا أرْسَلْتَ إلَينا رَسُولًا، ومَا أنْزَلْت علينا كِتَابًا، وفي التَّنْزِيل: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وقَوله تَعالى: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ) [طه: ١٣٤]، وفي هَذا كُلّه دَلِيل وَاضِح أنه لا يَجِب شَيء مِنْ نَاحِيَة العَقْل (١).

[مقارنة جوابه وجمعه بين الآيات بجمع غيره من العلماء]

مَعنى آيَة "الإسراء" عند ابن جرير: ومَا كُنَّا مُهْلِكي قَوْم إلَّا بَعْد الإعْذَار إلَيهم بالرُّسُل، وإقَامَة الْحُجَّة عليهم بِالآيَات التي تَقْطُع عُذْرَهم (٢).

وقال في مَعْنَى آيَة "النساء": أرْسَلْتُ رُسُلي إلى عِبَادِي مُبَشِّرِين ومُنْذِرين، لئلا يَحْتَجّ مَنْ كَفَر بِي وعَبَد الأنْدَاد مِنْ دُوني، أوْ ضَلَّ عن سَبِيلي بِأن يَقُول إن أرَدْتُ عِقَابَه: (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) [طه: ١٣٤]. فَقَطَع حُجَّة كُلّ مُبْطِل ألْحَدَ في تَوْحِيدِه، وخَالَف أمْرَه، بِجَمِيع مَعَانِي الْحُجَج القَاطِعَة عُذْرَه، إعْذَارًا مِنه بِذَلك إلَيهم، لِتَكُون لله الْحُجَّة البَالِغَة عَليهم وعَلى جَمِيع خَلْقِه (٣).

وفي آيَة "المائدة" ذَكَر ابن جرير مَعْنَى "الفَتْرَة"، واخْتِلاف أهْل التَّأوِيل في قَدْر مُدَّة تِلك الفَتْرَة (٤).

"فَمَعْنَى الكَلام: قَدْ جَاءكم رَسُولُنا يُبَيِّنْ لكم على فَتْرة مِنْ الرُّسُل، كَي لا تَقُولُوا مَا جَاءَنا مِنْ بَشير ولا نَذير، يُعْلِمُهم عَزَّ ذِكْرُه أنه قَدْ قَطَع عُذْرُهم بِرَسُولِه صلى الله عليه وسلم، وأبْلَغ إلَيهم في الْحُجَّة" (٥).


(١) المرجع السابق (٦/ ١٩) وستأتي مناقشة قوله: لا يجب شيء من ناحية العقل.
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (١٤/ ٥٢٦).
(٣) جامع البيان، مرجع سابق (٧/ ٦٩٣).
(٤) انظر: المرجع السابق (٨/ ٢٧٤، ٢٧٥).
(٥) المرجع السابق (٨/ ٢٧٥، ٢٧٦).

<<  <   >  >>