للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال في آيَة "القصص": وقَوله: (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) يَقُول تَعالى ذِكْرُه: ولكن أرْسَلْنَاك بِهَذَا الكِتَاب وَهَذا الدِّين لِتُنْذِر قَوْمًا لَم يَأتِهم مِنْ قَبْلك نَذِير، وهُم العَرَب الذين بُعِث إلَيهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، بَعَثَه الله إليهم رَحْمَة لِيُنْذِرَهم بَأسَه على عِبَادَتِهم الأصْنَام، وإشْرَاكِهم بِه الأوْثَان والأنْدَاد.

وقَوله: (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يَقُول: لِيَتَذَكَّرُوا خَطَأ مَا هُمْ عَليه مُقِيمُون مِنْ كُفْرِهم بِرَبِّهم فَيُنِيبُوا إلى الإقْرَار لله بِالوَحْدَانِيَّة، وإفْرَادِه بِالعِبَادَة دُون كَلّ مَا سِوَاه مِنْ الآلِهَة (١).

وفي آيَة "السجدة" قال ابن جرير: يَقُول: لَم يَأتِ هَؤلاء القَوْم الذين أَرْسَلَك رَبُّك يَا محمد إلَيهم - وهُم قَوْمه مِنْ قُريش - نَذير يُنْذِرُهم بَأس الله على كُفْرِهم - قَبْلَك (٢).

ومَعْنَى (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) - عند ابن الجوزي - أي: حتى نُبَيِّن مَا به نُعَذِّب، ومَا مِنْ أجْلِه نُدْخِل الْجَنَّة.

ثم عَقَد فَصْلًا قَال فيه:

قال القاضي أبو يعلى: في هذا دَلِيل على أنَّ مَعْرِفة الله لا تَجِب عَقْلًا (٣)، وإنَّمَا تَجِب بالشَّرْع، وهو بِعْثَة الرُّسُل، وأنه لَو مَات الإنْسَان قَبْل ذَلك لَم يُقْطَع عليه بِالنَّار.

قَال: وقِيل: مَعْنَاه أنه لا يُعَذِّب في مَا طَرِيقُه السَّمْع إلَّا بِقِيام حُجَّة السَّمْع مِنْ جِهَة الرَّسُول (٤).

وقال في آيَة "النساء": أي: لِئلا يَحْتَجُّوا في تَرْك التَّوْحِيد والطَّاعَة بِعَدَم الرُّسُل، لأنَّ هَذه الأشْيَاء إنَّمَا تَجِب بِالرُّسُل (٥).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٨/ ٢٦٣).
(٢) المرجع السابق (١٨/ ٥٩٠).
(٣) في إطلاقه نظر، وذلك أن معرفة الله مغروسة في الفطر، وذلك العهد والميثاق الذي أخذه الله على بني آدم، وهو الفطرة التي فطر الناس عليها.
(٤) زاد المسير، مرجع سابق (٥/ ١٨).
(٥) المرجع السابق (٢/ ٢٥٦).

<<  <   >  >>