للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جمع القرطبي]

أشَارَ القرطبي إلى الْخِلاف في رُؤية الله تَبَارَك وتَعَالى في الدُّنيا والآخِرَة، فَقَال في قَوله تَعالى: (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) [البقرة: ٥٥]: وقد اخْتُلِفَ في جَوَاز رُؤية الله تَعالى؛ فأكْثَر الْمُبْتَدِعة على إنْكَارِها في الدُّنيا والآخِرَة، وأهْل السُّنَّة والسَّلَف على جَوازِها فِيهما، ووُقُوعِها في الآخِرَة؛ فَعَلَى هَذا لَم يَطْلُبُوا مِنْ الرُّؤيَة مُحَالًا، وقد سَألَها مُوسَى عليه السَّلام (١).

وقد بيَّن في آيَة "الأعراف" أنَّ مُوسَى عليه الصلاة السلام لم يَطْلُب مُحَالًا، وَرَدّ تَأوِيل مَنْ تأوَّل رُؤية الله في الآيَة، فَقَال في قَوله تَعالى: (قَالَ لَنْ تَرَانِي) أي في الدُّنيا، ولا يَجُوز الْحَمْل على أنه أرَاد أرِنِي آيَة عَظِيمَة لأنْظر إلى قُدْرَتِك؛ لأنه قَال: (إِلَيْكَ) وقَال: (لَنْ تَرَانِي) ولَو سَأل آية لأعْطَاه الله مَا سَأل، كَمَا أعْطَاه سَائر الآيَات، وقد كَان لِمُوسَى عليه السلام فيها مَقْنَع عن طَلَب آيَة أُخْرى؛ فَبَطَل هَذا التَّأوِيل (٢).

ونَقَل عن عَليّ بن مَهدي الطبري قَوله: لو كَان سُؤَال مُوسَى مُسْتَحِيلًا مَا أقْدَم عليه مَع مَعْرِفَتِه بِالله، كَمَا لَم يَجُز أن يَقُول له: يا رَبّ ألَك صَاحِبة ووَلَد؟ (٣)

وأزَال القرطبي تَوَهُّم التَّعَارُض بَيْن إثْبَات الرُّؤيَة ونَفْي الإدْرَاك، فَقَال: قَوله تَعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) بَيَّن سُبحانه أنه مُنَزَّه عن سِمَات الْحُدُوث، ومِنْهَا الإدْرَاك بِمَعْنَى الإحَاطَة والتَّحْدِيد، كَمَا تُدْرَك سَائر الْمَخْلُوقَات، والرُّؤية ثَابِتَة .... لأنه قد صَحّ عن النبي صلى الله عله وسلم الأحَادِيث في الرُّؤيَة يَوْم القِيَامَة.

وقال ابن عباس: لا تُدْرِكُه الأبْصَار في الدُّنيا، ويَرَاه الْمُؤمِنُون في الآخِرَة لإخْبَار الله بِهَا في قَولِه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وقال السدي: وهو أحْسن مَا قِيل لِدَلالة التَّنْزِيل والأخْبَار الوَارِدَة


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ٤٤٤).
(٢) المرجع السابق (٧/ ٢٤٦).
(٣) المرجع السابق (٧/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>