للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[صورة التعارض]

الآية الأولى في تَحْرِيم نِكَاح الْمُشْرِكَات، والآية الثانية تُبيح نِكَاح الْمُحْصَنَات مِنْ نِساء أهْل الكِتَاب، مع كَونِهنّ مُشْرِكَات. وكان ابن عمر إذا سُئل عن نِكَاح النَّصْرانيَّة واليهودية قال: إن الله حَرّم الْمُشْرِكات على المؤمنين، ولا أعْلَم مِنْ الإشْراك شيئًا أكْبر مِنْ أن تَقول الْمَرْأة: رَبها عيسى. وهو عَبْدٌ مِنْ عِباد الله (١).

جَمْع القرطبي:

قال القرطبي في آية "البقرة":

اخْتَلَف العُلَماء في تَأويل هذه الآية؛ فقالت طَائفَة: حَرّم الله نِكَاح الْمُشْرِكَات في سورة البقرة، ثم نَسَخ مِنْ هذه الجملة نِساء أهل الكتاب فأحَلَّهن في سُورة المائدة، ورُوي هذا القول عن ابن عباس … وقال قتادة وسعيد بن جبير: لَفْظ الآية العُموم في كُلّ كَافِرة، والمرَاد بها الْخُصُوص في الكِتَابِيَّات، وبَيَّنَتِ الْخُصُوص آية "المائدة"، ولم يَتناول العُموم قط الكِتابيات … وعلى القول الأول يَتَناوَلهن العُمُوم ثم نَسَخَتْ آية "المائدة" بعض العموم … وقال إسحاق بن إبراهيم الحربي: ذَهَب قَوم فَجَعَلُوا الآية التي في "البقرة" هي النَّاسِخَة، والتي في "المائدة" هي الْمَنْسُوخَة؛ فَحَرَّمُوا نِكاح كُل مُشْرِكة كِتابية أو غير كِتابية (٢).

ثم نقل عن النحّاس قوله: وهذا قول خارِج عن قول الجماعة الذين تَقُوم بهم الْحُجَّة؛ لأنه قد قال بِتَحْلِيل نِكَاح نِسَاء أهل الكِتَاب مِنْ الصَّحَابة والتابعين جَمَاعة … وفُقَهاء الأمْصَار عَلَيْه، وأيضًا فَيَمْتَنِع أن تَكون هذه الآية من سُورة "البَقَرة" نَاسِخَة للآية التي في سُورة "المائدة""؛ لأن "البقرة" مِنْ أوَّل ما نَزَل بالمدينة "والمائدة" مِنْ آخِر مَا نَزَل وإنما الآخِر يَنْسَخ الأول (٣). وأما حديث ابن عمر فلا حُجة فيه لأن ابن عمر رحمه الله


(١) رواه البخاري (ح ٤٩٨١).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٦٤).
(٣) سبق في أول مبحث "النسخ" جواز العَكْس، وقَرَّره القرطبي، ولَعَلَّه هُنا يُرِيد أنَّ هذه هي الجادَّة.

<<  <   >  >>