للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان رَجُلًا مُتَوَقِّفًا، فلمَّا سَمع الآيتين في واحدة التَّحْلِيل، وفي أخْرى التَّحْرِيم، ولم يَبلغه النَّسْخ تَوقَّف، ولم يؤخذ عنه ذِكْر النَّسْخ، وإنما تُؤوِّل عليه، وليس يُؤخَذ الناسِخ والْمَنْسُوخ بالتأويل … وقال ابن عباس في بعض ما رُوي عنه: إن الآية عَامَّة في الوَثَنيات والْمَجُوسِيات والكِتَابِيَّات، وكلّ مَنْ على غَير الإسْلام - حَرَام؛ فَعَلَى هذا هي نَاسِخَة للآية التي في "المائدة".

ونَقَل القرطبي عن ابن المنذر قَوله: ولا يَصِحّ عن أحَد مِنْ الأوائل أنه حَرَّم ذلك.

وقال بعض العلماء: وأمّا الآيتان فلا تَعَارُض بينهما، فإن ظَاهِر لَفْظ الشِّرْك لا يَتَنَاول أهْل الكِتَاب، لقوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البينة: ١] فَفَرَّق بينهم في اللفظ، وظَاهِر العَطْف يَقْتَضِي مُغَايرة بين الْمَعْطُوف والْمَعْطُوف عليه، وأيضًا فَاسْمُ الشِّرْك عُمُوم وليس بِنَصّ، وقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي: أوتُوا الكِتَاب مِنْ قَبْلِكم وأسْلَمُوا، كقوله: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) [آل عمران: ١٩٩] الآية، وقوله: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) [آل عمران: ١١٣] الآية.

قيل له: هذا خِلاف نَصّ الآية في قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، وخِلاف ما قَالَه الجمهور، فإنه لا يُشْكِل على أحَد جَواز التَّزْوِيج ممن أسْلَم وصَار مِنْ أعْيان الْمُسْلِمين. فإن قالوا: فقد قال الله تعالى: (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) فَجَعَل العِلَّة في تَحْرِيم نِكَاحِهنّ الدُّعَاء إلى النَّار. والجواب أن ذلك عِلة لِقوله تعالى: (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)، لأن الْمُشْرِك يَدعو إلى النَّار، وهذه العِلَّة مُطَّرِدَة في جَميع الكُفَّار، فالْمُسْلِم خَير مِنْ الكافِر مُطْلَقًا، وهذا بَيِّن.

<<  <   >  >>