للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[جمع القرطبي]

قال القرطبي:

قَوله تَعالى: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) أي: لا يَنْفَعُنِي في ابْتِغَاء رَبّ غَير الله كَونُكم على ذلك؛ إذْ لا تَكْسِب كُلّ نَفْس إلَّا عليها، أي: لا يُؤخَذ بِمَا أَتَتْ مِنْ الْمَعْصِية، ورَكِبَت مِنْ الْخَطِيئة سِوَاها.

وقال عُلَمَاؤنا: الْمُرَاد من الآيَة تَحَمُّل الثَّوَاب والعِقَاب دُون أحْكَام الدُّنيا، بِدَلِيل قَوله تَعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) على ما يأتي.

قَوله تَعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) أي: لا تَحْمِل حَامِلة ثِقَل أُخْرى، أي: لا تُؤخَذ نَفْس بِذَنْب غَيرها، بل كُلّ نَفْس مَأخُوذة بِجُرْمِها ومُعَاقَبة بإثْمِها، وأصْل الوِزْر الثِّقْل (١). والآيَة نَزَلَتْ في الوَليد بن المغيرة كان يَقُول: اتَّبِعُوا سَبِيلي أحْمِل أوْزَارَكم.

ذَكَرَه ابن عباس.

وقيل: إنها نَزَلَتْ رَدًّا على العَرَب في الْجَاهِلِيَّة مِنْ مُؤاخَذَة الرَّجُل بِأبِيه وبِابْنِه وبِجَرِيرَة حَلِيفِه.

قلت: ويُحْتَمَل أن يَكُون الْمُرَاد بهذه الآيَة في الآخِرَة، وكَذلك التي قَبْلَها (٢) فأمَّا التي في الدُّنيا فَقَد يُؤاخَذ فيها بَعْضُهم بِجُرْم بَعْض، لا سِيّما إذا لم يَنْه الطَّائعُون العَاصِين.

وقد يُحْتَمَل أن يَكُون هذا في الدُّنيا في ألَّا يُؤاخَذ زَيد بِفِعْل عَمْرو، وأنَّ كُلّ مُبَاشِر لِجَرِيمةٍ فَعَلَيْه مُغَبَّتُها.


(١) وقريب منه قول ابن جرير (١٠/ ٤٨) يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يُؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه، والمأخوذ بذنبه (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب دون إثم أخرى غيرها.
(٢) لعله يعني قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأنعام: ١٦٠].

<<  <   >  >>