للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يُعَارَض مَا قُلْناه أوَّلًا بِقَوله: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) [العنكبوت: ١٣]، فإنَّ هَذا مُبَيَّن في الآيَة الأخْرَى قَوله: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل: ٢٥]، فَمَنْ كَان إمَامًا في الضَّلالَة ودَعَا إليها واتُّبِع عَليها فإنه يَحْمِل وزْر مَنْ أضَلَّه مِنْ غير أن يَنْقُص مِنْ وِزْر الْمُضِلّ شيء (١).

وفي آية العنكبوت: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) قال القرطبي: ونَظِيره قوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢).

وفي قوله تعالى: (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا) [فاطر: ١٨] نَقَل القرطبي قول الفرّاء: أي نَفْس مُثْقَلَة، أو دَابّة، قال: وهذا يَقَع للمُذَكّر والْمُؤنّث.

وقول الأخفش: أي: وإن تَدْعُ مُثْقَلة إنْسَانًا إلى حَمْلِها، وهو ذُنُوبها … وحَكَى سيبويه: النَّاس مَجْزِيُّون بأعْمَالِهم إن خَير فَخَير؛ على هذا، وخيرًا فَخَير؛ على الأوَّل (٣).

ويَقول في آيَة "النحل": (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ): أي: بِكُفْرِهم وافْتِرَائهم وعَاجَلَهم (مَا تَرَكَ عَلَيْهَا) أي: على الأرض، فهو كِنَاية عن غير مَذْكُور، لكن دَلّ عليه قَوله: (مِنْ دَابَّةٍ)، فإنَّ الدَّابة لا تَدِبّ إلَّا على الأرْض، والْمَعْنَى الْمُرَاد: مِنْ دَابة كَافِرَة، فهو خَاص (٤). وقِيل: الْمَعْنَى: أنه لو أهْلَك الآبَاء بِكُفْرِهم لم تَكُنْ الأبْنَاء. وقِيل: الْمُرَاد بِالآيَة العُمُوم، أي: لو آخَذ الله الْخَلْق بِمَا كَسَبُوا ما تَرَك على ظَهْر هذه الأرْض من دَابة مِنْ نَبِيّ ولا غَيره، وهذا قول الحسن.

وقال ابن مسعود - وقَرأ هذه الآية -: لو آخَذ الله الخلائق بِذُنُوب الْمُذْنِبِين لأصَاب العَذَاب جَمِيع الْخَلْق حتى الْجُعْلان في


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٧/ ١٤٠ - ١٤٣) باختصار.
(٢) المرجع السابق (١٣/ ٢٩٣).
(٣) المرجع السابق (١٤/ ٢٩٤، ٢٩٥).
(٤) والقول بالعُموم أوْلَى؛ لأن الدواب لا توصف بالكفر، بل ذلك شأن العقلاء.

<<  <   >  >>