للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا في تَفْسِير "الصَّافَّات"، فَقَال: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) يَعْنِي: الرُّؤَسَاء والأتْبَاع (يَتَسَاءَلُونَ) يَتَخَاصَمُون (١).

وذَكَر فِيها وَجْهًا آخَر في الْجَمْع، فَقَال في قَوله تَعالى: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ): إنما هُو لا يَتَسَاءَلُون بالأرْحَام، فَيَقُول أحَدُهم (٢): أسْألُك بالرَّحِم الذي بَيْن وبَيْنَك لَمَا نَفَعْتَنِي، أوْ أسْقَطْت لِي حَقًّا لَك عَليّ، أوْ وَهَبْتَ لي حَسَنَة؛ وهَذا بَيِّن لأنَّ قَبْلَه: (فَلَا أَنْسَابَ)، أي: لَيس يَنْتَفِعُون بالأنْسَاب التي بَيْنَهم … و (يَتَسَاءَلُونَ) هَا هُنا إنما هَو أن يَسْأل بَعْضُهم بَعْضًا ويُوَبِّخَه في أنه أضَلَّه، أوْ فَتَح لَه بَابًا مِنْ الْمَعْصِيَة، يُبَيِّنْ ذلك أنَّ بَعْدَه (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات: ٢٨].

قال مجاهد: هو قَول الكُفَّار للشَّيَاطِين.

قتادة: هو قُول الإنْس للجِنّ.

وقيل: هُو مِنْ قَول الأتْبَاع للمَتْبُوعِين. دَلِيله قَوله تَعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ) [سبأ: ٣١] الآية (٣).

مُلخَّص جواب القرطبي:

١ - لا يَتَسَاءَلُون إذا نُفِخ في الصُّور النَّفْخَة الأُولى، وأمَّا بَعْد النَّفْخَة الآخِرَة فيُقْبِل بَعْضُهم عَلى بَعْض يَتَسَاءَلُون.

٢ - لا يَسْأل بَعْضُهم بَعْضًا رَحْمَة وشَفَقَة، بل سُؤال تَوبِيخ.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٥/ ٦٨).
(٢) أي في الدُّنيا حِينما كَانُوا يَتَسَاءَلُون بالأرْحَام، كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) [النساء: ١]، وأمَّا في الآخِرَة فلا يَتَسَاءَلُون بِهَا. أو أن في الكَلام سَقْطًا، فتَكُون العِبَارة: فَلا يَقُول أحَدُهم … بَدَل من "فَيَقُول أحَدُهم" لأنه عَنى أنهم لا يَتَسَاءَلُون بالأرْحَام.
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٥/ ٦٨).

<<  <   >  >>