للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذَكَر أقْوالًا في الآيَة، وأشَارَ إلى الْجَمْع بَيْن الآيَات، وذلك في تَفْسِير سُورة الْمُؤْمِنُون، فَقَال: قَوله تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ) الْمُرَاد بِهَذا النَّفْخ النَّفْخَة الثَّانِيَة (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ). قال ابن عباس: لا يَفْتَخِرُون بالأنْسَاب في الآخِرَة كَمَا يَفْتَخِرُون بِها في الدُّنيا، ولا يَتَسَاءَلُون فِيها كَمَا يَتَسَاءَلُون في الدُّنيا، مِنْ أيّ قَبِيلَة أنْت؟ ولا مِنْ أيّ نَسَب؟ ولا يَتَعَارَفُون لِهَوْل مَا أذْهَلَهم.

وعن ابن عباس: أنَّ ذَلك في النَّفْخَة الأُولى حِين يُصْعَق مَنْ في السَّمَاوات وَمَنْ في الأرْض إلَّا مَنْ شَاء الله (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: ٦٨]، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [الطور: ٢٥] (١).

وسَألَ رَجُلٌ ابنَ عَباس عَنْ هذه الآيَة (٢)، وقَولِه: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)، فَقَال: لا يَتَسَاءَلُون في النَّفْخَة الأُولى، لأنه لا يَبْقَى عَلى وَجْه الأرْض حَيّ، فلا أنْسَابَ ولا تَسَاؤل، وأمَّا قَوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) فَإنهم إذا دَخَلُوا الْجَنَّة تَسَاءَلُوا.

وقَال ابنُ مسعود: إنما عَنى في هَذه الآية النَّفْخَة الثَّانِيَة.

وأورَد القرطبي قَولًا آخَر عن ابن مسعود رَضي الله عنه، وهو أنه "يُؤخَذ بِيَدِ العَبْد أوْ الأمَة يَوْم القِيَامَة فيُنْضَب على رُؤوس الأوَّلِين والآخِرِين، ثم يُنادِي مُنَادٍ: هذا فُلان بن فُلان، مَنْ كَان لَه حَقّ فَلْيَأتِ إلى حَقِّه؛ فَتَفْرَح الْمَرْأة أن يَدُور لَهَا الْحَقّ عَلى أبِيهَا، أوْ عَلى زَوْجِها، أوْ عَلى أخِيهَا، أوْ على ابْنِهَا، ثُمّ قَرأ ابنُ مَسْعُود: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) (٣).


(١) آية "الطور" في تَحَاور أهْل الْجَنَّة.
(٢) آية الْمُؤْمِنُون.
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٢/ ١٣٦).

<<  <   >  >>