للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي آيَة "الكهف" أحَال على مَا مَضَى في سُورة الأنْعام.

وفي آيَة "النحل" ذَكَر ابن الجوزي سَبَب النُّزُول، حَيث قَال: قَوله تَعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ)، سَبَب نُزُولها أنَّ الله تَعالى كَان يُنَزِّل الآيَة فَيُعْمَل بِها مُدَّة ثم يَنْسَخها، فَقَال كُفَّار قُرَيش: والله مَا محمد إلَّا يَسْخَر مِنْ أصْحَابه؛ يأمُرُهم اليَوم بِأمْر ويَأتِيهم غَدًا بِمَا هو أهْوَن عليهم مِنه، فَنَزَلَتْ هذه الآيَة. قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والْمَعْنَى: إذا نَسَخْنَا آيَة بِآيَة - إمَّا نَسْخ الْحُكْم والتِّلاوة، أوْ نَسْخ الْحُكْم مع بَقَاء التِّلاوَة. (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) مِنْ نَاسِخ ومَنْسُوخ، وتَشْدِيد وتَخْفِيف، فَهو عَلِيم بِالْمَصْلَحَة في ذلك (١).

[رأي الباحث]

التَّبْدِيل الْمَنْفِي عن كَلِمَات الله هو مَا كَان مِنْ قِبَل البَشَر، أمَّا مَا يُبَدِّله سُبحانه وتَعالى فهو الْمُثْبَت، وهو مَا يَكُون بِالتَّغْيِير والنَّسْخ، وهو مُقيَّد بِزَمَنِ الوَحْي.

ومَا غَيَّرَته اليَهُود والنَّصَارَى وحَرَّفَتْه في كُتُبِها إنَّمَا هو فِيمَا استُحْفِظُوا عليه، وهو مَا في أيْدِيهم مِنْ كُتُب لَم يُكتَب لَها الدَّوَام، ولَم يُضْمَن لَها البَقَاء، ولا تَكفَّل الله بِحِفظِها، كَمَا قَال تَعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) [المائدة: ٤٤] (٢)، كَمَا أنَّ أصْل تِلك الكُتُب - وهو مَا في اللوْح الْمَحْفُوظ - لا يُمْكِن تَغْيِيره ولا تَبْدِيله وتَحْرِيفه.


(١) زاد المسير، مرجع سابق (٤/ ٤٩١).
(٢) ينظر ما رواه القرطبي بإسناده في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩] في "الجامع لأحكام القرآن"، مرجع سابق (١٠/ ٨، ٩).

<<  <   >  >>